كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قوله: {فتولى عَنْهُمْ} .
قيل: إنه تولى عنهم بعد موتهم لقوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فتولى} و» الفاءُ «تقتضي التعقيب.
وقيل: تولّى عنهم قبل موتهم لقوله: {وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} فدلَّ ذلك على كونهم أحياء من ثلاثة أوْجُهٍ:
[الأول] : قوله لهم» يَا قَوْم «، والأموات لا يوصفون بالقوم، لاشتقاق لفظ القوم من القيام، وهو مفقود في حقِّ الميت.
والثاني: أنَّ هذه الكلمات خِطَاب معهم، وخطاب الميت لا يجوز.
والثالث: قوله: {وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} يقتضي كونهم بحيث تصحُّ حصول المحبّة فيهم.
ويمكن الجوابُ: بأنَّه قد يقولُ الرَّجلُ لصاحبه الميت، وقد كان نصحه فلم يقبل النَّصيحة، حتى ألقى نفسه في الهلاك: يا أخي منذ كم نصحتك فلم تقبل، وكمن منعتك فلم تمتنع، فكذا هاهنا.
وفائدتُهُ: إمّا لأن يسمعه الحيُّ فيعتبر به، وينزجِر عن مثل تلك الطريقة، وإما لإحراق قلبه بسبب تلك الواقعة، فإذا ذكر ذلك الكلام فرَّجت تلك القضية من قلبه.
وذكروا جواباً آخر، وهو أن صالحاً - عليه السلامُ - خاطبهم بعد كونهم» جَاثِمِينَ «، كما خاطب نبينا - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - قتلى» بدر «.
فقيل: تتكلم مع هؤلاء الجيف؟ فقال:» مَا أنْتُمْ بأسْمَعَ مِنْهُم، ولكنْ لا يَقْدِرُونَ على الجوابِ «
وقيل: في الآية تقديمٌ وتأخير، تقديره: فتولَّى عنهم وقال: يا قَوْم لَقَدْ أبْلَغَتُكم رسالةَ ربِّي، فأخذتهم الرجفة.
قوله تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة} القصة. في نصب «لُوطاً» وجهان:
أحدهما: أنه منصوب ب «أرْسَلْنَا» الأوَّلِ، و «إذ» ظرف الإرسال.
والثاني: أنَّهُ منصوبٌ بإضمار «اذْكُرْ» ، وفي العامل في الظرف حينئذ وجهان:
أحدهما - وهو قول الزمخشريِّ أنَّهُ بدلٌ من «لوطاً» قال: «بمعنى: واذكر وقت إذ قال لقومه» وهذا على تسليم تصرف «إذ» .

الصفحة 202