كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: «فإن قلت: ما موقع هذه الجملة» ؟
قلت: لا مَحَلَّ لها لأنَّها مُسْتَأنفة، أنكر عليهم أوّلاً بقوله: «أتَأتُونَ الفَاحِشَةَ» ثُمَّ وبخهم عليها فقال: أنتم أوَّلُ من عملها. أو تكون جواباً لسؤال مقدَّر، كأنَّهُم قالوا: لِمَ لا تأتيها؟ فقال: «ما سبقكم بها أحَدٌ؛ فلا تفعلوا ما لم تُسْبَقُوا به» وعلى هذا فتكون صفة للفاحشة، كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} [يس: 37] وقال الشَّاعِر: [الكامل]
2511 - وَلَقَدْ أمُرُّ على اللَّئِيم يَسُبُّني..... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
والباء في «بِهَا» فيها وجهان:
أظهرهما أنها حالية، أي: ما سبقكم أحدٌ مصاحباً لها أي: ملتبساً بها.
والثاني: أنَّها للتعدية.
قال الزمخشريُّ: الباءُ للتعدية من قولك: «سَبَقْته بالكُرة» إذا ضربتها قبله. ومنه قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ» .
قال أبو حيان: «والتّعدية هنا قلقة جداً؛ لأنَّ» الباء «المعدِّية في الفعل المتعدي لواحد [هي] بجعل المفعولِ الأوَّلِ يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة، وبيان ذلك أنَّك إذا قلت:» صَكَكْتُ الحجرَ بالحَجر «كان معناه: أصْكَكْت الحجرَ بالحجر أي: جَعَلْت الحجر يَصُكُّ الحجر، فكذلك: دفعت زيداً بعمرو عن خالد، معناه: أدْفَعْتُ زيداً عمراً عن خالد أي جعلت زيداً يدفع عمراً عن خالد فللمفعول الأوَّل تأثير في الثَّاني ولا يصحُّ هذا المعنى هنا؛ إذْ لا يصحُّ أن يقدَّر: أسْبَقْتُ زيداً الكرة أي: جعلت زَيْداً يسبق الكَرَةَ غلا بمجاز متكلَّف، وهو أن تجعل ضربك للكرةِ أول جَعْل ضربة قد سقبها أي: تقدَّمها في الزمان فلم يجتمعا» .
و «مِنْ» الأولى لتأكيد استغراق النفي والثانية للتبعيض.
والوجه الثاني من وجهي الجملة: أنَّها حال، وفي صاحبها وجهان:
والثاني: هو المفعول أي: أتأتونها مُبْتَدَأ بها غير مسبوقة من غيركم.
قال عمرو بن دينار: «ما يراد ذكر على ذكر في الدُّنيا حتى كان قوم لوط» .
قوله: «أإنَّكُمْ» قرأ نافعٌ وحفصٌ عن عاصم: «إنكم» على الخبر المستأنف، وهو بيان تلك الفاحشة، وقرأ الباقون بالاستفهام المقتضي للتّوبيخ، فقرأ ابنُ كثير بهمة غير

الصفحة 204