كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

ومعنى الآية أنَّهُم كانوا يجلسون على الطَّريق فيقولون لمن يريدُ الإيمانَ بشُعَيْبٍ: إنَّ شُعَيْباً كذاب فلا يفتننَّك عن دينك، ويتوعدون المؤمنين بالقَتْل، ويخوفونهم.
قال الزمخشريُّ: قوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي: ولا تقتدوا بالشَّيْطان في قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: 16] قال: والمرادُ من قوله: «صِرَاطٍ» كلُّ ما كان من مناهج الدِّين ويدلُّ عليه قوله: {وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} .
قوله: «وَاذْكُرُوا» إمَّا أن يكون مفعوله محذوفاً، فيكون هذا الظَّرف معمولاً لذلك المفعول أي: اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عليكم في ذلك الوقت، وإمَّا أن يجعل نفس الظرف مفعولاً به. قاله الزمخشريُّ.
وقال ابن عطية: «إنّ» الهاء «في» به «يجوز أن تعود على شعيب عند مَنْ يرى أنَّ القُعُودَ على الطرق للردِّ عن شعيب، وهو بعيد؛ لأن القائل:» ولا تقعدوا «هو شعيب، وحينئذ كان التركيب» مَنْ آمَنَ بِي «، والادِّعَاءُ بأنَّهُ من باب الالتفات بعيد جداً؛ إذ لا يَحْسُن أن يُقال:» [يا] هذا أنا أقول لك لا تُهِنْ مَنْ أكرَمَه «أي: مَنْ أكرمني.
قوله: {إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} .
قل الزَّجَّاج:» هذا الكلام يحتمل ثلاث أوجه: كثر عددكم بعد القلّة، وكثركم بالغنى بعد الفقر، وكثركم بالقوة بعد الضعف «قال السدي:» كانوا عشارين «.
[قوله] : {وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} .
» كيف «وما في حيِّزها معلِّقة للنظر عن العمل، فهي وما بعدها في محل نصب على إسقاط الخافض.
والنظرُ هنا التفكُّرُ، و» كيف «خبر كان، واجب التقديم.
والمعنى: انظر كيف كان عاقبة المفسدين أي: جزاء قوم لوط من الخزي والنكار وعذاب الاستئصال.
قوله: {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ آمَنُواْ بالذي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ} أي: اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين مؤمنين ومكذبين، و «طائفة» الثانية عطف على «طائفة» الأولى فهي اسم كان و «لم يؤمنوا» معطوف على «آمنوا» الذي هو خبر كان، عَطَفَتْ

الصفحة 213