كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

أنه يجوز نصبه، يعني أنَّهُ لو قُرِىءَ به لكان جَائِزاً، وهذا أيضاً لا حاجة إليه.
قوله: «مَوَازِيْنُهُ» فيها قولان:
أحدهما: أنَّها جمع ميزان: الآلة [التي] يوزنُ بها، وإنَّمَا جمع؛ لأن كلَّ إنسانٍ له ميزان يخصُّه على ما جاء في التَّفْسير، أو جُمع باعتبار الأعمال الكثيرة وعبّر عن هذا الحال بالمحل.
والثاني: أنَّها جمع موزون، وهي الأعمال، والجمع حينئذٍ ظاهر. قيل: إِنَّمَا جمع الميزان ههنا، وفي قوله: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة} [الأنبياء: 47] ؛ لأنَّه لا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزانٌ، ولأفعال الجوارح ميزانٌ، ولما يتعلق بالقول ميزان.
وقال الزَّجَّاجُ: إنَّمَا جمع الموازين ههنا لوجهين:
الأوَّلُ: أنَّ العرب قد تُوقِعُ لَفْظَ الجَمْعِ على الواحد فيقولون: خرج فلان إلى مَكَّةَ راكباً البِغَالَ.
والثاني: أن الموازين ههنا جمع موزون لا جمع ميزان.
قال القرطبيُّ: والموازين جمع ميزان وأصلُهُ: «مِوْزَانٌ» قلبت الواوُ ياءٌ لكسرة ما قبلها.
فصل في المراد بالميزان
قال مُجَاهِدٌ والأعْمَشُ والضَّحَّاكُ: المراد بالميزان العدل والقضاء، وذهب إلى هذا القول كثيرٌ من المُتأخِّرينَ قالوا: لأنَّ لَفْظَ الوزن على هذا المعنى شَائِعٌ في اللُّغَةِ؛ لأن العدل في الأخذ والإعطاء لا يظهر إلاَّ بالكَيْل، والوزن في الدُّنْيَا، فلم يبعد جعل الوزن كِنَايَةً عن العَدْلِ، ويؤيِّدُ ذلك أنَّ الرَّجُلَ إذا لم يكن له قَدْرٌ ولا قِيمَةٌ عند غيره يقال: إنَّ فُلاناً لا يقيم لفلان وَزْناً. قال تعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً} [الكهف: 105] ، ويُقَالُ هذا الكلامُ في وزن هذا وفي وزانه، أي: يعادله ويُسَاويه مع أنَّهُ ليس هناك وَزْنٌ في الحَقيقَةِ؛ قال الشَّاعِرُ: [الكامل]
قَدْ كُنْتُ عِنْدَ لِقَائِكُمْ ذَا قُوَّةٍ ... عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ ميزَانُهُ
أيْ عندي لكل مخاصم كلامٌ يعادل كلامه، فجعل الوزن مثلاً للعدل وإذا ثبت هذا فَنَقُولُ: المُرَادُ من الآية هذا المعنى فقط، والدَّلِيلُ عليه أنَّ الميزانَ إنَّما يراد ليتوصل به

الصفحة 22