كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وقرأ نافع وابن عامِر وابنُ كثيرٍ «أوْ» بسكون الواو والباقون بفتحها، ففي القراءة الأولى تكونُ «أو» بجملتها حرف عطف ومعناها حينئذ التقسيم.
قال ابنُ الخطيبِ: تسعتملُ على ضَرْبَيْن:
أحدهما: أن تكون بمعنى أحد الشَّيْئيْنِ كقوله: زيد أو عمرو جاءك، والمعنى: أحدهما جاء.
والثاني: أن تكون للإضْرابِ عمَّا قبلها كقولك: «أنَا أخْرُجُ» ثم تقول: «أو أقيم» أضربت عن الخروج وأثبت الإقامة، كأنك قلت: لا بل أقيمُ، فوجه هذه القراءة أنَّهُ جعل «أو» للإضراب، لا على أنَّه أبطل الأوَّلَ.
وزعم بعضهم أنَّها للإبَاحةِ والتَّخْيير، وليس بظاهرٍ.
وفي القراءة الثَّانية هي واو العَطْفِ دخلت عليها همزة الاستفهام مقدَّمة عليها لفظاً، وإنْ كانت بَعْدَهَا تقديراً عند الجمهور.
وقد عرف مذهب الزَّمَخْشَرِيِّ في ذلك، ومعنى الاستفهام هنا: التَّوبيخُ، والتَّقريعُ.
وقال أبُو شَامَة وغيره: «إنَّهُ بمعنى النَّفي» .
وكرّرت الجملة في قوله تعالى: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى} : «أفَأمِنوا» توكيداً لذلك، وأتي في الجُمْلَةِ الثَّانية بالاسم ظاهراً، وحقّه أن يضمر مبالغة في التَّوْكِيد.
ومعنى: «مَكْرَ اللَّهِ» أي إضافة المخلوق إلى الخَالقِ كقولهم: ناقة الله، وبيتُ الله، والمرادُ بشهِ فعلٌ يعاقب به الكفرة، وأضيف إلى الله لمَّا كان عقوبة الذَّنْبِ، فإنَّ العرب تسمِّي العقوبة على أي جهة كانت باسم الذَّنْبِ الذي وقعت عليه العقوبة.
قال ابن عطيَّة: «وهو تأويلٌ حسنٌ» .
وقال البَغَوِيُّ: «مَكْرُ اللَّهِ: استدراجُهُ إيَّاهُم بما أنْعَمَ عليهم في دنياهم» .
وقد تقدَّم في آل عمران في قوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [الآية: 54] أنَّه من باب المُقَابلَةِ أيضاً.
و «الفاء» في قوله: «فَلاَ يأمَنُ» للتَّنْبِيهِ على أنَّ العذابَ يعقب أمن مَكْرَِ اللَّهِ.
قال ابنُ الخطيبِ: «وقوله:» مَكْرَ اللَّهِ «المرادُ أنْ يأتيهم عذابُهُ من حيث لا

الصفحة 237