كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

2536 - إذَا تَغَنَّى الحَمَامُ الوُرْقُ هَيَّجَنِي ... وَلَوْ تَسَلَّيْتُ عَنْهَا أمَّ عَمَّارِ
الرابع: أن تكون» عَلَى «بمعنى» الباء «، وبهذا الوجه قال أبو الحسن والفراء والفارسيُّ، قالوا: إنَّ» على «بمعنى الباء كما أن الباء بمعنى» على «في قوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} [الأعراف: 86] أي: على كلٍّ.
وقال الفرَّاءُ: العرب تقول: رَمَيْتُ على القوس وبالقوس وجئتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة، وتؤيده قراءة أبيّ والأعمش» حقيق بأن لا أقول «إلاَّ أنَّ الأخفش قال:» وليس ذلك بالمطَّرد لو قلت: «ذهبتُ على زيْدٍ» تريد: «بزيدٍ» لم يجز «، وأيضاً فلأن مذهب البصريِّين عدم التجوُّزِ في الحُرُوفِ.
الخامس: - وهو الأوجه والأدخل في نكت القرآن - أن يغرق موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -[في وصف نفسه] بالصِّدْق في ذلك المقام لا سيما وقد رُوِيَ أنَّ فرعون - لعنه الله - لمَّا قال موسى: إنِّي رسول من رب العالمين قال له: كذبت فيقول: أنا حقيقٌ على قول الحقِّ أي: واجب عليَّ قول الحقِّ أن أكون أنا قائله والقائم به، ولا يَرْضى إلاَّ بمثلي ناطقاً به.
قال أبُو حيَّان: ولا يصحُّ هذا الوجه إلاَّ إن عنى أنه يكون «أن لا أقُول» صفة له كما تقول: أنَا على قول الحقِّ أي: طريقتي وعادتي قول الحقّ.
السادس: أن تكون «على» متعلقة ب «رَسُول» .
قال ابن مقسم: حقيقٌ من نعت «رَسُول» أي رسول حقيق من ربِّ العالمين أرْسِلْتُ على ألاَّ أقولَ على الله إلا الحقَّ، وهذا معنى صحيح واضحٌ، وقد غفل أكثرُ المفسرين من أرباب اللُّغَة عن تعليق «على» ب «رسول» ، ولم يخطر لهم تعليقه إلاَّ ب «حقيق» .
قال أبُو حيَّان: وكلامه فيه تَنَاقضٌ في الظَّاهِرِ؛ لأنَّهُ قدَّر أولاً العامل في «عَلَى» «أرسلت» وقال أخيراً: «لأنهم غفلوا عن تَعْليق» على «ب» رسول «، فأمَّا هذا الأخير فلا يجوزُ عند البصريين؛ لأنَّ رسولً قد وُصِف قبل أن يأخذ معموله، وذلك لا يَجُوزُ، وأمَّا تعليقه ب» أرسلت «مقدَّراً لدلالةِ لفظ» رَسُوله «عليه فهو تقديرٌ سائغ.
ويتأوَّل كلامه أنَّه أراد بقوله تُعَلَّقُ» على «ب» رسول «أنه لمَّا كان دالاًّ عليه صحَّ نسبة التَّعلق له.
قال شهابُ الدِّين:» وقال أبُو شامَةَ بعد ما ذكر هذا الوجه عن ابن مقسم:

الصفحة 247