كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وثانيها: أنَّهم شاهدوا كونه حيَّةً، فلم يشتبه الأمر عليهم فيه.
وثالثها: أنَّ الثَّعبان أبان قول موسى عليه السلام عن قول المدعي لكاذب.
النّزع في اللُّغَةِ عبارة عن إخراج الشَّيء عن مكانه، فقوله: «نَزعَ يَدَهُ» أي أخرجها من جَيْبِهِ ومن جناحه، بدليل قوله: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل: 12] ، وقوله: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} [طه: 22] .
قوله: {فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ} قال ابن عباس: «كان لها نور ساطع يضيء بين السَّماء والأرض» ، واعلم أنَّهُ لمَّا كان البياض كالعيب بيَّن تعالى في غير هذه الآية أنَّهُ كان من غير سوء.
قوله: «للنَّاظرينَ» متعلق بمحذوف لأنَّهُ صفة ل «بيضاء» وقال الزَّمخشريُّ: «فإن قلت: بم تعلق للناظرين؟ قلت: يتعلَّقُ ب» بيضاء «والمعنى: فإذا هي بيضاء للنَّظارة، ولا تكون بيضاء للنَّظَّارةِ إلا إذا كان بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادةِ، يجتمعُ النَّاس للنَّظر إليه، كما يجتمع النَّظَّارة للعجائب» .
وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ تفسير معنى لا تفسير إعراب، وكيف يريدُ تفسير الإعراب؟ وإنَّما أراد التعلُّق المعنويُّ لا الصّناعي، كقولهم: هذا الكلامُ يتعلق بهذا الكلام. أي إنَّهُ من تتمَّةِ المعنى له.
فإن قيل: إنَّ كثرة الدَّلائل توجب القوَّةَ في النَّفْسِ، وسيأتي في سورة طه - إن شاء الله تعالى - أن انقلاب العصا أعظم من اليد البيضاء.
اعلم أنَّهُ سبحانه وتعالى أسند القول في هذه السُّورة إلى الملأ، وفي «الشعراء» [34] أسند القول إلى فرعون في قوله: «قَالَ لِلْمَلأ حَوْلَهُ» ، وأجاب الزَّمَخْشَرِيُّ عن ذلك بثلاثة أوْجُهٍ:
أحدها: أن يكون هذا الكلام صادراً منه ومنهم، فحكى هنا عنهم وفي الشَّعراء عنه.
والثاني: أنَّهُ قاله ابتداء، وتلقَّته عنه خاصَّته فقالوه لأعقابهم.
والثالث: أنَّهُم قالوه عنه للنَّاسِ على طريق التَّبليغ، كما يفعل الملوكُ، يرى الواحدُ منهم الرّأي فيبلغه الخاصَّة، ثم يبلغوه لعامَّتهم، وهذا الثَّالِثُ قريبٌ من الثَّانِي في المعنى.

الصفحة 251