كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وقولهم: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} يعنون أنَّهُ ليأخذ بأعين النَّاسِ حتى يخيل إليهم العصا حيَّة، واليد بيضاء، وكان موسى عليه الصَّلاة والسَّلامُ آدم اللّون، ويرى الشَّيء بخلاف ما هو عليه، وكان السّحر غالباً في ذلك الزمان، ولا شَكَّ أن مراتب السّحر كانت متفاوتة، فالقوم زَعَمُوا أن موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان في النِّهاية من علم السّحر، فلذلك أتى بتلك الصّيغة، ثم ذكروا أنَّه إنَّما أتى بذلك السّحر طلباً للملك والرّئاسة فقالوا: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: 110] .
قوله: «فَمَاذَا تَأْمُرُونَ» قد تقدَّم الكلامُ على «ماذا» ، والجمهور على «تَأمُرُونَ» بفتح النُّونِ، وروى كردم عن نافعٍ كسرها، وعلى كلتا القراءتين يجوز أن تكون «ماذا» كلمة اسماً واحداً في محلِّ نصب على أنَّهُ مفعولٌ ثانٍ ل «تَأمُرُون» بعد حذف الياء، ويكون المفعول الأوَّلُ ل «تَأمُرُونَ» محذوفاً، وهو ياء المتكلم والتقديرُ: بأي شْيءٍ تأمرونني.
وعلى قراءة نافع لا تَقُول إنَّ المفعول الأوَّلَ محذوف، بل هو في قوَّةِ المَنْطُوق به؛ لأنَّ الكسرة دالة عليه، فهذا الحَذْفُ غير الحذف في قراءة الجماعة.
ويجوزُ أن تكون «ما» استفهاماً في محل رفع بالابتداء، و «ذا» موصول، وصلته العائد منصوب المحل غير معدى إليه بالباء فتقديرُهُ: فما الذي تأمرونيه.
وقدّره ابن عطية «تَأمُرُونِي بِهِ» ، وردَّ عليه أبُو حيَّان بأنَّهُ يلزم من ذلك حذف العائد المجرور بحرف لم يجر الموصول بمثله، ثم اعتذر عنه بأنَّه أراد التقدير الأصلي، ثم اتّسع فيه بأن حذف الحرف، فاتّصل الضَّميرُ بالفعل. وهذه الجملة هل هي من كلام المَلأ، ويكونُون قد خاطبوا فِرعَوْنَ بذلك وحده تعظيماً له كما يُخاطب الملوك بصِيغَةِ الجمع، أو يكونون قالوه له ولأصحابه أو يكون من كلام فرعون على إضمار قول أي: فقال لهم فرعون فماذا تَأمُرون ويكون كلام الملأ قد تم عند قوله: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} ويؤكد كونها من كلام فرعون قوله تعالى: {قالوا أَرْجِهْ} [الأعراف: 111] .
وهل «تَأمُرُونَ» من الأمر المعهود أو من الأمر الذي بمعنى المشاورة؟ والثاني منقول عن ابن عباس.
وقال الزمخشريُّ: «هو من أمَرْتُه فأمرني بكذا أي: شاورته فأشار عليَّ برأي» .
قوله: {قالوا أَرْجِهْ} في هذه الكلمة هنا وفي «الشُّعراءِ» [36] ست قراءات في

الصفحة 252