كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

فأنْتُمْ بِذِي قَارٍ أَمَالَتْ سُيُوفُكُمْ
عُرُوشَ الَّذِينَ اسْتَرهَنُوا قَوْسَ حَاجِبِ ... وهذه الوَقْعَةُ إنَّما كانت في أسلافهم.
والترَّتيبُ أيضاً واضح على هذا.
ومن قالك إن الأولى للتَّرتيب الزَّماني، والثَّانية للتَّرْتيب الإخْبَارِيِّ اختلفت عباراتهم أيضاً. فقال بعضهم: المرادُ بالخطابِ الأوَّلِ آدمُ، وبالثَّاني ذريَّتُهُ، والترتيب الزَّمانيُّ واضح و «ثُمَّ» الثَّانية للتَّرْتِيب الإخباريِّ.
وقال بعضهم: ولقد خلقناكم في ظهر آدم ثُمَّ صوَّرناكم في بُطُونِ أمهاتكم.
وقال بعضهم: [ولقد خلقنا] أرواحكم ثم صوَّرْنَا أجسامكم، وهذا غَرِيبٌ نقله القَاضِي أبو عليٍّ في «المعتمد» .
وقال بعضهم: خلقناكم نُطَفاً في أصلابِ الرِّجال، ثُمَّ صوَّرْناكم في أرحام النٍّساءِ.
وقال بعضهم: ولقد خلناكم في بطون أمَّهاتكم وصوَّرناكُم فيها بعد الخلق بِشَقِّ السَّمع والبصرِ، ف «ثمَّ» الأولى للتَّرتيب الزَّمانيِّ، والثانية للترتيب الإخباري أي: ثم أخبركم أنا قلنا للملائكة.
وقيل: إنَّ «ثُمَّ» الثانية بمعنى «الواو» [أي] وقلنا للملائكة فلا تكون للتَّرتيب.
وقيل: فيه تقديمٌ وتأخير تقديرُهُ: ولقد خلقناكم يعني آجم، ثمَّ قلنا للملائكة اسجُدُوا، ثمّ صوَّرنَاكم.
وقال بعضهم: إنَّ الخلق في اللُّغَة عبارة عن التقدير، وتقدير اللَّه عبارة عن علمه بالأشياء ومشيئته بتخصيص كلِّ شيءٍ بمقداره المعيِّنٍ، فقوله «خَلَقْنَاكُم» إشارة إلى حكم الله، وتقديره لإحداث البشر في هذا العالم.
وقوله «صَوَّرْنَاكُم» إشارة إلى أنَّهُ تعالى [أثبت في اللَّوْحِ المحفوظ صورة كل كائن يحدث] إلى يوم القيامة، فخلق الله تعالى عبارة عن حكمه ومشيئته، والتَّصوير عبارة عن إثْبَاتِ صورة الأشياء في اللَّوحِ المحفوظ. ثم بعد هذين الأمرين أحدث الله تعالى آدم، وأمر الملائكة بالسُّجود.
قال ابن الخطيب: وهذا التَّأوِيلُ عندي أقْرَبُ من سائر الوُجُوهِ.
وقد تقدَّم الكلامُ في هذا السُّجود، واختلاف الناس فيه في سورة البقرة.
قوله: «إلاَّ إبليسَ» تقدَّم الكلامُ عليه في البقرة. وكان الحسن يقول: إبليسُ لم

الصفحة 28