كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

يكن من الملائكةِ؛ لأنه خُلقَ من نارٍ والملائكة من نور لا يستكبرون عن عبادته، ولا يستحسرون، و [هو ليس كذلك فقد عصى إبليس واستكبر، والملائكةُ ليسوا من الجنِّ وإبليسُ من الجنِّ، والملائكة رسُلُ اللَّهِ، وإبليسُ ليس كذلك، وإبليسُ أوَّلُ خليقة الجنِّ وأبوهم كما أنَّ آدمَ أوَّلُ خليقة الإنس وأبُوهم، وإبليسُ له ذُرِيَّةٌ والملائكة لا ذُرِّيَّةَ لهم.
قال الحسنُ: ولمَّا كان إبليس مأموراً مع الملائكة استثناه اللَّهُ وكان اسم إبليسَ شيئاً آخر فلما عَصَى اللَّهَ سمَّاهُ بذلك، وكان مؤمناً عابداً في السَّماءِ حتَّى عصى الله؛ فأهبط إلى الأرض] .
قوله: «لَمْ يَكُنْ» هذه الجملة استئنافِيَّةٌ؛ لأنها جوابُ سؤال مقدَّرٍ، وهذا كما تقدَّم في قوله في البقرة «أبَى» ، وتقدَّم أنَّ الوقف على إبليس.
وقيل: فائدة هذه الجُمْلَة التَّوكيد لما أخرجه الاستثناء من نفي سجود إبليس.
وقال أبُو البقاءِ: إنَّهَا في محلِّ نصب على الحال أي: إلاَّ إبليس حال كونه ممتنعاً من السُّجُودِ، وهذا كما تقدَّم له في البقرة من أن «أبَى» في موضع نصب على الحال.
في «لا» هذه وجهان:
أظهرهما: أنها زائدة للتوكيد.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: «لا» في «ألاَّ تسجد» صلة بدليل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص: 75] ومثلها {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} [الحديد: 29] بمعنى ليعلم، ثم قال: فإن قلت ما فائدةُ زيادتها؟
قلت: توكيد بمعنى الفعل الذي يدخلُ عليه، وتحقيقه كأنه قيل: يستحق علم أهل الكتاب، وما منعك أن تحقق السُّجُود، وتُلزمه نفسك إذا أمرتك؟ . وأنْشَدُوا على زيادة «لا» قول الشَّاعر: [الطويل]
2410 - أبَى جُودُهُ لا البُخْلَ واسْتَعْجَلتْ نَعَمْ ... بِهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ نَائِلُهْ
يروى «البُخْل» بالنصب والجر، والنصبُ ظاهرُ الدلالة في زيادتها، تقديره: أبى جُودهُ البخل. وأمَّا رواية الجر فالظَّاهرُ منها عدم الدلالة على زيادتها، ولا حجَّة في هذا البيت على زيادة «لا» في رواية النَّصْبِ، ويتخرَّجُ على وجهين:

الصفحة 29