كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وهذه الجملة تحتمل وجهين:
أحدهما: أنَّ تكون استئنافية أخبر اللَّعِينُ بذلك لتظنِّيه قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ: 20] ، أو لأنَّهُ علمه بطريق قيل: لأنه كان قد رأى ذلك في اللَّوْح المَحْفوظِ. ويحتمل أن تكون دَاخِلَةً في حيِّز ما قبلها من جواب القسمِ فتكونُ معطوفةً على قوله: «لأقْعُدَنَّ» أقْسَمَ على جملتين مُثْبَتَتَيْنِ، وأخرى منفَّية.
ف «مذؤوماً مَدْحُوراً» حالان من فاعل «اخرج» عند من يجيز تعدد الحال لذي حال واحدة، ومَنْ لا يُجيز ذلك ف «مَدْحُوراً» صفة ل «مذؤوماً» أو هي حالٌ من الضَّمير في الجارِّ قَبْلَهَا، فيكونُ الحالانِ مُتَدَاخِلَيْنِ.
و «مَذْءُوماً مَدْحُوراً» اسما مفعول مِنْ: ذَأمَهُ وَدَحَرَهُ. فأمَّا ذَأمَهُ فيقالُ: بالهمز: ذَأمَه، يَذْأمُهُ كرَامَه يَرْأمُهُ، وذَامَهُ يَذِمُهُ كبَاعَه يَبِيعُهُ من غَيْر هَمْزٍ، وعليه قولهم: «لنْ تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذَاماً» يروى بهمزةٍ ساكنةٍ أو ألف، وعلى اللُّغَةِ الثَّانية قول الشاعر: [الطويل]
2424 - تَبِعْتُك إذْ عَيننِي عَلَيْهَا غَشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أذِيمُهَا
فَمَصْدَرُ المَهمُوز: ذأمٌ كرأس، وأمَّا مصدر غير المهموز فَسُمِعَ فيه ذامٌ بألف، وحكى ابْنُ الأنْبَارِيِّ فيه ذيماً كينعٍ قال: يقال: ذأمْتُ الرَّجُلَ أذْأمُه، وذِمْتُه أذِيْمُه ذَيْماً، وذَمَمْتُه أذُمُّه ذَماً بمعنىً؛ وأنشد: [الخفيف]
2425 - وأقَامُوا حَتَّى أبِيرُوا جَمِيعاً ... فِي مقَامٍ وكُلُّهُمْ مَذْءُومْ
ُّ: العَيْبُ ومنه المثلُ المتقدَّمُ: «لن تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذاماً» أي كُلُّ امرأة حسنة لا بدَّ أن يكون فيها عيب ما وقالوا: «أرَدْتَ أنْ تُذيمَهُ فمَدَهْتَهُ» أي: «تُعيُبُه فَمَدحْتَهُ» فأبدل الحاء هاء: وقيل: الذَّامُ: الاحتقارُ، ذَأمْتُ الرجل: أي: احْتَقَرْتُهُ، قاله الليثُ.
وقيل: الذَّامُ الذَّمُّ، قاله ابن قيتبة وابن الأنْبَاريِّ؛ قال أمّيَّةُ: [المتقارب]
2426 - وَقَالَ لإبْلِيسَ رَبُّ العِبَادِ ... [أن] اخْرُجُ لَعِيناً دَحِيراً مَذُومَا
والجمهور على «مَذْءُوماً» بالهمز.

الصفحة 48