كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

فالمَفْهُوم من الفاء نوع داخل تحت المفهوم من الواو، ولا مُنَافَاةَ بين النَّوْعِ والجِنْسِ، ففي سورة البقرة ذكر الجِنْسَ، وفي سُورةِ الأعْرَافِ ذكر النَّوْعَ.
الثاني: وقال في البقرة: «رغداً» وهو ههنا محذوف لدلالة الكلام عليه.
قوله: «فوَسْوَسَ لَهُمَا» أي: فَعَلَ الوَسْوَسَةَ لأجلهما.
والفَرْقُ بين وسْوَسَ له وَوسْوَسَ إليه أنَّ وَسْوَسَ له بمعنى لأجله كما تقدَّم، وَوَسْوَسَ إليه ألْقَى إلَيْه الوَسْوَسَةَ.
والوَسْوَسَةُ: الكلام الخفيُّ المكرر، ومثله الوسْواسُ وهو صوتُ الحليِّ، والوسوسَةُ أيضاً الخَطْرَةُ الرَّديئَةُ، وَوَسْوَسَ لا يتعدَّى إلى مَفْعُولٍ، بل هو لاَزِمٌ كقولنا: وَلْوَلَتِ المَرأةُ، ووعْوَعَ الذِّئْبُ ويقالُ: رجلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الوَاوِ، ولا يُقَالُ بفتحها، قالهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ.
وقال غيره: يقال: مُوَسْوَس له، ومُوَسْوَس إليه.
وقال اللَّيْثُ: «الوَسْوَسَةُ حديثُ النَّفْس، والصَّوْتُ الخَفِيُّ من ريحٍ تَهُزُّ قصباً ونحوه كالهمْسِ» . قال تعالى {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] .
وقال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاج يَصِفُ صَيَّاداً: [الرجز]
2429 - وَسْوَسَ يَدْعُوا مُخْلِصاً رَبِّ الفَلَقْ ... لَمَّا دَنَا الصَّيْدُ دَنَا مِنَ الوَهَقْ
أي: لما أراد الصَّيدَ وسوس في نَفْسِهِ: أيُخْطىء أم يُصِيبُ؟ وقال الأزْهَرِيُّ: «وسْوَسَ ووَزْوَزَ بمعنىً واحد» .
فإن قيل: كيف وَسْوَسَ إليه، وآدم كان في الجَنَّةِ وإبليس أخرج منها «؟
فالجوابُ: قال الحسن: كان يُوَسْوِسُ من الأرْض إلى السَّمَاءِ وإلى الجِنَّةِ بالقُوَّةِ الفَوْقيَّةِ التي جعلها له.

الصفحة 53