كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وقال أبُو مُسْلِمٍ الأصْفهانِيُّ: بَلْ كان آدمُ وإبليس في الجنَّةِ؛ لأنَّ هذه الجنَّةَ كانت بعض جنات الأرض، والذي يقوله بعض النَّاس من» أنَّ إبليس دخل الجنَّة في جَوْف الحيَّةِ ودخلت الحيَّة في الجنَّةِ «فتلك القصة ركيكةٌ ومشهورةٌ.
وقال آخَرُون: إنَّ آدم وحَوَّاءَ ربنا قَرُبَا من باب الجَنَّةِ، وكان إبليس واقفاً من خارج الجَنَّةِ على بَابها فيقْرُبُ أحَدُهُمَا من الآخر فتحصل الوسْوسَةُ هناك.
فإن قيل: إنَّ آدم - عليه السلام - كان يَعْرِفُ ما بينه وبين إبليسَ من العداوة، فَكَيْفَ قبل قوله؟
فالجواب: [لا يَبْعُد أنْ يُقال إنَّ إبليسَ لَقِيَ آدَمَ مِراراً كثيرةً، ورَغَّبَهُ في أكْلِ الشَّجَرَة بِطُرُقٍ كثيرةٍ؛ فلأجْل] المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثَّر كلامه عند وأيضاً فقال تعالى: {وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} [الأعراف: 21] أي: حَلَفَ لهما فاعْتَقَدُوا أنَّ أحَداً لا يَحْلِفُ كاذباً فلذلك قبل قوله.
قوله:» لِيُبْدِيَ لَهُمَا «في طلام» لِيُبْدِي «قولان:
أظهرهما: أنها لامُ العِلَّةِ على أصلها؛ لأنَّ قَصْدَ الشَّيْطانِ ذلك.
وقال بعضهم:» اللاَّمُ «للِصَيْرُورةِ والعاقِبَةِ، وذلك أنَّ الشِّيْطَانَ لم يكن يعلم أنَّهُمَا يعاقبان بهذه العُقُوبَةَ الخَاصَّاةِ، فالمعنى: أن أمْرَهُمَا آل إلى ذلك. الجوابُ: أنهُ يجوزُ أنْ يُعْلم ذلك بطريق من الطُّرُق المتقدِّمةِ في قوله {وَلاَ نَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17] .
ومعنى قوله:» لِيُبْدِيَ لَهَمَا «ليظهر لهما ما غُطِّي وسُتِرَ عنهما من عوراتهما.
قوله:» مَا وُوْري «» مَا «موصولة بمعنى الذي، وهي مفعول ل» لِيُبْدِي «أي: لِيُظْهِر الذي سُتِرَ.
وقرأ الجمهور: «وُوْري» بواوين صريحَتَيْنِ وهو ماضٍ مبني للمفعول، أصله «وَارَى» كضارَبَ فلمَّا بُني للمفعول أبْدِلَت الألف واواً كضُورِبَ، فالواو الأولى فاء، والثَّانية زَائِدَةٌ.
وقرا عبد الله: «أُوْرِيَ» بإبدال الأولى همزة، وهو بدلٌ جَائِزٌ لا واجب.
وهذه قَاعِدٌةٌ كليَّةٌ وهي: أنَّه إذا اجتمع في أوَّلِ الكلمةِ واوان، وتحرَّكتِ الثَّانيةُ، أو كان لها نَظِيرٌ مُتَحَرِّكٌ وجب إبدال الأولى همزة تخفيفاً، فمثال النَّوْعِ الأوَّلِ «أوَيْصِلٌ» ، وَ «أوَاصِلُ» تصغير واصلٍ وتكسيره، فإنَّ الأصل: وُوَيْصِل، وواصل؛ فاجتمع واوان في المثالين ثانيتهما متحركة فوجب إبدالُ الأولى همزة. ومثالُ النَّوْعِ الثَّانِي أوْلى فإنَّ أصلها

الصفحة 54