كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وثالثها: قال الواحدي: كان ابن عباس يقر «مَلِكَين» بكسر اللام ويقول: ما طمعا في أن يكونا مَلَكَيْن لكنهما استشرفا إلى أن يكونا مَلِكَيْن، وإنَّما أتَاهُمَا المَلْعُونُ من وجهة الملك، ويدلُّ على هذا قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [طه: 120] ، وضعف هذا الجواب من وجهين:
الأول: هب أنَّهُ حصل الجوابُ على هذه القراءة فهل يقول ابنُ عبَّاسٍ أنَّ تلك القراءة المشهورة باطلة؟ أو لا يقولُ ذلك؟ والأولُ باطل، لأنَّ تلك القراءة قراءة متواترة فكيف يُمْكِنُ الطَّعْنُ فيها؟ وأمَّا الثَّاني فعلى هذا التَّقدير الإشكال باقٍ؛ لأنَّ على تلك القراءة يكون بالتَّطْميع قد وقع في أنْ يَصِيرَ بواسطة لذلك الأكل من جملة الملائكة. وحينئذ يَعُودُ السُّؤالُ.
الوجه الثاني: أنَّهُ تعالى جعله مسجود الملائكةِ، وأذِن له في أن يسكن الجنَّة، وأنْ يأكل منها رغداً حيث شاء وأراد، [ولا مزيد] في الملك على هذه الدَّرَجَةِ.
السؤال الثاني: هل تدلُّ هذه الآية على أنَّ درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النُبُوَّةِ؟
الجوابُ: أنَّا إذا قلنا: إن هذه الواقعة كانت قَبْلَ النُّبُوَّةِ لم يدلَّ على ذلك؛ لأنَّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - حين طَلَبَ الوصُولَ إلى درجةِ الملائِكَةِ ما كان من الأنبياء، وإنْ كانت هذه الواقِعَةُ قد وقعت في زَمَن النُّبُوَّةِ فلعلَّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - رغبَ في أنْ يصيرَ من الملائِكَةِ في القدرة والقُوَّة أو في خلقة الذات بأنْ يَصِيرَ جَوَْهَراً نُورَانياً، وفي أن يصيرَ من سُكَّانِ العرْشِ، وعلى هذا فلا دلالةَ في الآيةِ على ذلك.
السُّؤال الثالثُ: نقل أنّ عمرو بْن عُبَيْدٍ قال للحسنِ في قوله: {إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} ، وفي قوله «وقَاسَمَهُمَا» قال عمرو: قلت للحسن؛ فهل صَدقَاهُ في ذلك؟ فقال الحسن: مَعَاذَ الل، لو صَدَّقَاهُ لكانا من الكَافرينَ. ووجه السُّؤال: أنه كيف يلزم هذا التَّكْفيير بتقدير أن يُصَدِّقا إبليس في ذلك القول؟
والجوابُ: ذكرُوا في تَقْدير ذلك التَّكفِير أنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام لو صدق إبليس في الخلُودِ، لاكن ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة وأنه كفرٌ.
ولقائل أن يقُول: لا نُسَلِّمُ أنَّه يلزم من ذلك التَّصديق حصولُ الكفْرِ، وبيانه من وجهين.

الصفحة 57