كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

الكِنَايَةُ عائدةٌ إلى الأرض المذكورة في قوله: {وَلَكُمْ فِي الأرض} [الأعراف: 24] .
وقرأ الأخوان وابنُ ذكوان «تَخْرُجونَ» هنا، وفي الجاثية [35] {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} ، وفي الزخرف [11] : و {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} ، وفي أوَّلِ الروم [19] : {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ} قرءُوا الجميع مبنياً للفاعل، والباقون قرءوه مبنيّاً للمفعول، وفي أوَّلِ الرُّوم خلاف عن ابن ذكوان، واحترزنا بأوَّل الروم [25] عن قوله: {إِذَا أَنتُمْ تُخْرُجُونَ} [فإنَّهُ قرأ] مبنياً للفاعل. من غير خلاف، ولم يذكر بعضهم موافقة ابن ذكوان للأخوين في الجاثية. والقراءتَانِ واضِحَتَانِ.
في نظم الآية وجهان:
أحدهما: أنَّهُ تعالى لما بيَّنَ أنَّهُ أمر آدم وحوَّاءَ بالهُبُوطِ إلى الأرض، وجعل الأرض لهما مُسْتَقَرّاً بين بعده أنَّهُ تعالى أنزل كلَّ ما يحتاجون إليه في الدُّنْيَا، ومن جملة ما يُحتاج إليه في الدِّين والدُّنيا اللِّباس.
والثاني: أنَّهُ تعالى لمّا ذكر واقعة آدم في انكشاف العَوْرَةِ، وأنَّهُ كان يخصف الورق على عَوْرَتَيْهِمَا، أتبعه بأن بيَّنَ أنَّهُ خلق اللِّباسَ للخلق، ليستروا به عَوْرَتَهُم، ونبه بتكون الأشياء التي يَحْصُلُ منها اللِّبَاسُ، فصار كأنَّهُ تعالى أنزل اللِّباسَ أي: أنزل أسْبَابَهُ، فعبَّر بالسَّبَبِ عن المُسَبِّبِ.
وقيل: معنى «أنْزَلْنَا» أي: خلقنا لكم.
وقيل: كلُّ بَرَكاتِ الأرضِ منسوبةٌ إلى السَّماءِ كقوله تعالى: {وَأَنزْلْنَا الحديد} [الحديد: 25] وإنَّما يُسْتَخْرَجُ الحديدُ من الأرْضِ، وقوله: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6] .
وسبب نزلو هذه الآية أنَّهُم كانُوا يطوفون بالبَيْتِ عُرَاةً، ويقولون: لا نطوفُ في ثياب عصينا الله فيها، فكان الرِّجالُي يطوفون بالنَّهارِ، والنِّسَاءُ باللَّيْلِ عراة. قال قتادة.

الصفحة 66