كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قال أبو إسحاق: ما بعد «حَيُْ» صلة لها؛ وليست بمضافة إليه.
قال الفَارِسيُّ: هذا غير مستقيم، ولا يصحُّ أن يكون ما بعد «حيث» صلة لها؛ لأنَّهُ إذا كان صلة لها؛ وجب أن يكون للموصولة فيه ذكرن كما أن سائر صلاة الموصُولِ ذِكْراً للموصول، فَخُلُوُّ الجملة التي بعد «حَيْثُ» من ضمير يَعُودُ على حيثُ دليل على أنَّهَا ليست صلة ل «حيث» ، وإذا لم تكن صلة؛ كانت مضافَةً.
فإن قيل: نقدِّر العائد في هذا كما نُقَدِّرُ [العائد] في المَوْصُولات، فإذا قلت: «رأيتك حيث زيدٌ قائمٌ» كان التَّقْدِيرُ: حيث ائمه ولو قلت: «رأيتُكَ حيثُ قَامَ زَيْدٌ» كان التقدير: حيث قام زيد فيه، ثم استعَ في الحرف فحذف، واتَّصل الضَّمِيرُ فحذف، كما يحذف في قولك: زيدٌ الذي ضربت أي الذي ضربته.
فالجواب: لو أُريد ذلك لجاز استعمال هذا الأصل فتركهم لهذا الاستعمال دليل على أنَّهُ ليس أصلاً له.
قال شهابُ الدِّين: أما أبُو إسحاق لم يعتقد كونها موصولة بمعنى «الَّذِي» ، لا يقول بذلك أحَدٌ، وإنَّمَا يَزْعُمُ أنَّهَا ليست مضافة للجملة بعدها، فصارت كالصِّلَةِ لها أي: كالزِّيَادَةِ، وهو كلام مُتَهَافِتٌ، فالرَّدُ عليه من هذه الحَيْثِيَّةِ لا من حيْثية اعتقاده لكونها مَوْصُولةً.
ويحتمل أن يكون مراده أنَّ الجملةَ لمَّا كانت من تمَامِ معناها بمعنى أنَّهَأ مفتقرةٌ إليها كافْتِقَار الموصول لِصِلَتِهِ أطلق عليها هذه العبارة.
ويَدُلُّ على ذلك أنّ مكّياً ذكر في علة بنائها فقال: «ولأنَّ ما بعدها من تَمَامِهَا كالصِّلَةَ والموصول» إلا أنَّهُ يرى أنَّهَا مضافة لما بعدها.
وقرىء «مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُ» بالإفراد، وذلك يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الضَّمِيرُ عَائِداً على الشَّيْطَانِ وَحْدُهُ دون قبيله لأنه هو رأسهم، وهم تَبَعٌ له، ولأنَّهُ المَنْهِيُّ عند أوَّلَ الكلامِ.
والثاني: أن يَعُودَ عليه وعلى قبيله، ووحَّد الضَّمير إجراءً له مجرى اسم الإشارة في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68] .
ونظير هذه القراءة قول رُؤبَةَ: [الرجز]
2448 - فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلقْ ... كأنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهقْ
وقد تقدَّنم هذا البَيْتُ بحكايته معه في البقرةِ.

الصفحة 76