كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قوله: «وأقِيمُوا» فيه وجْهَانِ:
أظهرهما: أنَّهُ مَعْطُوفٌ على الأمْرِ المقدر أي الذي ينحل إليه المصدر، وهو «بالقِسْطِ» وذلك أنَّ القِسْط مصدر فهو ينحل لحرف مصدري، وفعل، فالتَّقديرُ: قل: أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا، وكما أنَّ المصدر ينحلُّ إلى «أنَّ والفعل الماضي» نحو: عَجِبْتُ من قِيَام زَيْدٍ وخرج، أي: من أن قام، وخَرَجَ ول «أن» وللفعل المضارع كقولها: [الوافر]
2449 - لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقرَّ عَيْنِي..... ... ... ... ... ... ... ... . .
أي: لأن ألبس عباءة وتقر، كذلك ينحل ل «أنَّ» وفعل أمر؛ لأنَّهَا توصل بالثَّلاث الصِّيغ: الماضي والمُضارع والأمر بشرط التَّصَرُّف، وقد تقدَّم تحقيقُ هذه المسألة وإشكالها وجوابُهُ.
وهذا بخلاف «ما» فإنَّهَا لا تُوصَلُ بالأمْرِ، وبخلاف «كي» فإنَّهَا لا توصل إلا بالمُضَارِع، فلذلك لا ينحلُّ المصدر إلى «ما» وفعل أمر، ولا إلى «كي» وفعل ماضي أو مضارع.
وقال الزَّمخْشَرِيُّ: وقل أقيموا وجوهكم أي: اقصدوا عبادته، وهذا من الزَّمَخْشَرِيُّ يحتمل تأويلين:
أحدهما: أن يكون قوله «قل» أراد أنه مقدر غير هذا الملفوظ به فيكون «وأقيموا» معمولاً لقول أمر مقدر، وأن يكون معطوفاً على قوله: «أمر رَبِّي» فإنه معمول ل «قل» وإنما أظهر الزَّمَخْشرِيُّ «قُلْ» مع أقِيمُوا لتحْقيق عطفيته على «أمر رَبِّي» .
ويجوز أن يكُون قوله «وأقِيمُوا» معطوفاً على أمْرٍ محذوف تقديره قل: أقبلوا وأقيموا.
وقال الجُرْجانِيُّ صاحب «النَّظْم» : نسق الأمر على الجر وجاز ذلك؛ لأنَّ قوله {قُلْ أَمَرَ رَبِّي} قول لأن الأمْرَ لا يكُونُ إلا كلاماً، والكلام قول، وكأنه قال: قل: يقول ربي: اقسطوا وأقيموا، يعني أنَّهُ عطف على المعنى.
و «مسجد» هنا يحتمل أن يكون مَكَاناً وزماناً.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: في وقت كلِّ سُجُودٍ، وفي مكان كلِّ سُجُودٍ، وكان من حَقِّ «مسجد» بفتح العين لضمها في المضارع، وله في هذا الشذوذ أخوات كثيرة مذكورة في التَّصريفِ.

الصفحة 81