كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

وليس المَعْنَى تشبيههم بالبَدْءِ، إنَّمَا المعنى على إعادة الخلق كما ابتدئ، فتقدير «كما بَدأكُمْ تعُودُون» : كما بدأ خلقكم أي: يُحيي خلقكم عوداً كبدئه، وكما أنَّه لم يَعْنِ بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه، كذلك لم يَعْنِ بالعود من غير حذف المُضافِ الذي هو [ «الخلق» فلما حذف قام المضاف إليه مَقَامَ الفاعِلِ، فصار الفَاعِلُونَ مخاطبين. كما انه لما حذف المضاف] من قوله: {كما بدأ خلقكم} صار المخاطبون مفعولين في اللفظ قال شهاب الدين: يعني أنَّ الأصل كما بَدَأ خلقكم يعودُ خلقكم، فحذف «الخلق» في الموضعين وصار المخاطبون في الأوَّلِ مفعولين بعد أن كَانُوا مجرورين بالإضافة أيضاً وفي الثاني صاروا فَاعِلينَ بعد أنْ كانوا مجرورين بالإضافة. و «بدأ» بالهمز أنشأ واخترع، ويستعمل بهذا المعنى ثلاثياً ورباعياً على «أفْعَلَ» فالثلاثيُّ كهذه الآية، وقد جمعبين الاستعمالين في قوله تعالى:
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ الله الخلق} [العنكبوت: 20] فهذا من «أبدأ» ثم قال: كيف بدأ الخلق، هذا فيما يتعدى بنفسه.
وأما ما يتعدَّى بالباءِ نحو: بَدَأتُ بكذا بمعنى قدَّمته وجعلتهُ أوَّل الأشياء، يقال منه: بَدَأتُ به وابتدأت به.
وحكى الرَّاغِب أيضاً أنَّهُ يقال من هذا: ابْدأتُ به على «أفْعَلَ» وهو غريب.
وقولهم: أبْدأت من أرض كذا أي: ابتدأت منها بالخُرُوجِ والبَدْء السيد سمي بذلك؛ قيل: لأنه يبدأ به في العد إذا عُدَّ السَّادَات وذكروا عليه قوله: [الوافر]
2450 - فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً ولَمَّا ... فَنَادَيءتُ القُبُورَ فَلَمْ تُجِبْنَهْ
أي جئت قَبُورَ قومي سيّداً ولم أكن سَيّداً، لكن بموتهم صيّرت سيّداً، وهذا ينظر لقول الآخر: [الكامل]
2451 - خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّرِ ... وَمِنَ العَنَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤدُدِ
و «ما» مصدريَّةٌ، أي: كبدئكم.
فصل في معنى «كما بدأكم تعودون» .
قال ابنُ عبَّاس: إنَّ الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، كما قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] ، ثم يعيدُهم يَوْمَ القيامةِ كما خلقهم مُؤمناً وكافراً.

الصفحة 83