كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 9)

قيل: المرادُ أن يأَكل ويشرب بحيث لا يتعدَّى إلى الحرامِ، ولا يكثر الإنفاق المستَقْبَح، ولا يتناول مقداراً كثيراً يضرُّ به.
وقال أبُو بَكْرِ الأصَمُّ: المراد بالإسراف قولهم: تحريم البحيرة والسّائبة، فإنَّهُمْ أخرجوها عن ملكهم، وتَرَكُوا الانتفاع بها، وحرَّموا على أنفسهم في الحجِّ أشياء أحَلَّها الله لهم، وذلك إسراف.
واعلم أنَّ حمل لفظ الإسْرَاف على الاستكثارِ [و] مما لا ينبغي أولى من حمله على المَنءعِ مما يَجُوزُ ويَنْبَغِي.
وقوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} نهاية في التهديد؛ لأن كل من لا يحبُّه الله يبقى محروماً عن الثَّواب؛ لأن محبَّة الله للعبد إيصال الثَّواب إيله، فعدمُ هذه المحبَّة عبارةٌ عن عدم حصول الثَّوابِ، ومتى لم يحصل الثَّوابُ فقد حصل العِقَابُ لانعقاد الإجماع على أنَّهُ ليس في الوُجُودِ مكلّلإ لا يثابُ ولا يُعاقب.
قال القرطبي: لما بيَّن أنَّهم حرَّموا من تِلْقاءِ أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم، بيَّن هنا إباحة الزِّنةِ، والمُرَادُ بها الملبس الحسن ذا قدر عليه صاحبه وقيل: جميع الثّياب.
وهذا استفهامٌ معناه التَّوبيخ والإنكار، وإذا كان للأإنكار فلا جواب له؛ إذ لا يُرادُ به استعلام، ولذلك نسب مَكيٌّ إلى الوهم في زعمه أنَّ قوله: «قُلْ هِيَ للذِيْن آمَنوا. . إلى آخره» جوابه.
قوله: «زينة الله» قال ابن عباس وأكثر المفسرين: المراد به اللِّباس الذي يَسْتُرُ العَوْرَة.
وقيل: جميع أنواع الزينة، فيدخل فيه جميع أنواع المَلْبُوسِ، ويدخلُ تحته تنظيف البدن من جميع الوجوه، ويدخلُ تحته الرّكوب وأنواع الحلي؛ لأنَّ كل ذلك زينة، ولولا النًّص الوارد في تحريم الذَّهب والإبريسم على الرّجال لكان داخلاً تحت هذا العموم.
ويدخل تحت الطيِّبات من الرِّزْقِ كلُّ ما يُسْتَلَذُّ ويشتهى من أنواع المأكولات والمشروبات، ويدخلُ تحته التَّمتع بالنِّسَاءِ والطيب.
روي عن عُثْمَانَ بن مَظْعُون أنَّه أتى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: «غلبني حديثُ النَّفْسِ عَزَمْتُ أن أخْتَصِي، فقال: مَهْلاً يا عثمان، إن خصاء أمتى الصِّيام، قال: إنَّ نَفْسي تحدثنى

الصفحة 90