كتاب البناية شرح الهداية (اسم الجزء: 9)
أما الأول، فلأن حكم القضاء يستقى من حكم الشهادة؛ لأن كل واحد منهما من باب الولاية،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعلي لم يكن حينئذ من أهل الاجتهاد، وقال الأستروشني في "فصوله ": قال بعضهم إذا كان صوابه أكثر من خطأه حل له الاجتهاد، وقاله البستي في "أصوله ". قال بعض أصحابنا: إذا كان عالما في مسألة تعرف حقيقتها، ولا يخفى عليه دقيقتها يكون من أهل الاجتهاد في تلك المسألة، وأما المجتهد الذي ذكره أهل الأصول، فهو أن يكون عالما بالنصوص من الكتاب والسنة مما يتعلق به الأحكام الشرعية، ولا يشترط أن يكون عالما بجميع ما في الكتاب والسنة، وهذا عزيز، والرخصة في ذلك أن يكون بحال يمكنه طلب الحادثة الواقعة من النصوص التي تتعلق بها الأحكام، ويشترط أيضا أن يكون عالما بوجوه العمل بالكتاب والسنة والإجماع على ما عرف في أصول الفقه، وإذا بلغ الرجل هذا الحد يصير مجتهدا، ويجب عليه العمل باجتهاده، ويحرم عليه تقليد غيره، كذا في الميزان.
وقال صدر الإسلام البزدوي في "أصوله "، وأهل الاجتهاد من يكون عالما بالكتاب ناسخه ومنسوخه، وعالما بالسنن ناسخها ومنسوخها، وعالما بمعاني الكتاب والسنن التي هي أقيسة. وإلى هذا أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الحدود، وبعضهم قالوا: يجب أيضا أن يكون عالما بعرف بلده وكلامهم ولغتهم من الصريح والكناية، والصحيح أن أهل الاجتهاد في مسائل الفقه، من يكون عالما بدلائل الفقه، وهي الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقياس، إلى هنا لفظ صدر الإسلام.
وأما المفتي فقد قال صدر الإسلام البزدوي في أصوله: أجمع الفقهاء والعلماء، أن المفتي يجب أن يكون من أهل الاجتهاد، فإنه لا يقدر أن يفتي الناس إذا لم يكن من أهل الاجتهاد، فإنه يحتاج إلى الاجتهاد لا محالة، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد، لا يحل له أن يفتي إلا بطريق الحكاية، فيحكي ما يحفظ من أقوال الفقهاء، ولا يحل له أن يفتي فيما لا يحفظ فيه قولا من أقوال المتقدمين، إلى هنا لفظ صدر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (أما الأول) ش: يعني اشتراط شرائط الشهادة وقد ذكرناها م: (فلأن حكم القضاء يستقى) ش: أي يستفاد، وهكذا وقع في نسخة شيخي بلفظ يستفاد في الكتاب. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستقى من حكم الشهادة، أي يؤخذ ويستنبط ويستخرج ويستفاد بطريق ترشيح الاستعارة، لمشابهة العلم بالماء، إذ به حياة الأرواح، كما أن بالماء حياة الأشياء م: (من حكم الشهادة لأن كل واحد منهما) ش: لأنه مبنى القضاء على الشهادة كما مر م: (من باب الولاية) ش: إذ كل واحد منهما تنفيذ القول على الغير، ولأن كل واحد منهما إلزام، فالشهادة ملزمة على القاضي والقضاء ملزم على الخصم.
الصفحة 5
485