كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 15 @
الأولى وأما باغيسيان فإنه لما طلع عليه النهار رجع إليه عقله وكان كالولهان فرأى نفسه وقد قطع عدة فراسخ فقال لمن معه أين أنا فقيل على أربعة فراسخ من أنطاكية فندم كيف خلص سالما ولم يقاتل حتى يزيلهم عن البلد أو يقتل وجعل يتلهف ويسترجع على ترك أهله وأولاده والمسلمين فلشدة ما لحقه سقط عن فرسه مغشيا عليه فلما سقط إلى الأرض أراد أصحابه أن يركبوه فلم يكن فيه مسكة قد قارب الموت فتركوه وساروا عنه واجتاز به إنسان أرمني كان يقطع الحطب وهو بآخر رمق فقتله وأخذ رأسه وحمله إلى الفرنج بأنطاكية وكان الفرنج قد كاتبوا صاحب حلب ودمشق بأننا لانقصد غير البلاد التي كانت بيد الروم لانطلب سواها مكرا منهم وخديعة حتى لايساعدوا صاحب أنطاكية
$ ذكر سير المسلمين إلى الفرنج وما كان منهم $
لما سمع قوام الدولة كربوقا بحال الفرنج وملكهم أنطاكية جمع العساكر وسار إلى الشام وأقام بمرج دابق واجتمعت معه عساكر الشام تركها وعربها سوى من كان بحلب فاجتمع معه دقاق بن تتش وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وأرسلان تاش صاحب سنجار وسليمان بن أرتق وغيرهم من الأمراء ممن ليس مثلهم فلما سمعت الفرنج عظمت المصيبة عليهم وخافوا لما هم فيه من الوهن وقلة الأقوات عندهم وسار المسلمون فنازلوهم على أنطاكية وأساء كربوقا السيرة فيمن معه من المسلمين وأغضب الأمراء وتكبر عليهم ظنا منه أنهم يقيمون معه على هذه الحال فأغضبهم ذلك وأضمروا له في أنفسهم الغدر إذا كان قتال وعزموا على إسلامه عند المصدوقة وأقام الفرنج بأنطاكية بعد أن ملكوها اثني عشر يوما ليس لهم ما يأكلونه وتقوت الأقوياء بدوابهم والضعفاء بالميتة وورق الشجر فلما رأوا ذلك أرسلوا إلى كربوقا يطلبون منه الأمان ليخرجوا من البلد فلم يعطهم ما طلبوا وقال لا تخرجون إلا بالسيف وكان معهم من الملوك بردويل وصنجيل وكندفري والقمص صاحب الرها وبيمنت صاحب أنطاكية وهو المقدم عليهم وكان معهم راهب مطاع فيهم وكان داهية من الرجال فقال لهم إن المسيح عليه السلام كان حربة مدفونة بالفسيان الذي بأنطاكية وهو عظيم فإن وجدتموها فإنكم تظفرون وإن لم تجدوها فالهلاك متحقق وكان قد دفن قبل حربة في مكان فيه وعفا أثرها وأمرهم بالصوم والتوبة ففعلوا ذلك ثلاثة أيام فلما كان اليوم الرابع أدخلهم

الصفحة 15