@ 169 @
السلطان بعدة من الأمراء فحصرهم وكان هو من بينهم صاحب القريحة والبصيرة في قتالهم مع جودة رأي وشجاعة فبنى عليها مساكن يسكنها هو ومن معه وعين لكل طائفة من الأمراء أشهرا يقيمونها ينيبون ويحضرون وهو ملازم الحصار وكان السلطان ينقل إليه الميرة والذخائر والرجال فضاق الأمر على الباطنية وعدمت عندهم الأقوات وغيرها
فلما اشتد عليهم الأمر نزلوا نساءهم وأبناءهم مستأمنين ويسألون أن يفرج لهم ولرجالهم عن الطريق ويؤمنوا فلم يجابوا إلى ذلك وأعادهم إلى القلعة قصدا ليموت الجميع جوعا وكان ابن الصباح يجري لكل رجل منهم في اليوم رغيفا وثلاث جوزات فلما بلغ بهم الأمر إلى الحد الذي لا مزيد عليه بلغهم موت السلطان محمد فقويت نفوسهم وطابت قلوبهم
ووصل الخبر إلى العسكر المحاصر لهم بعدهم بيوم ولزموا على الرحيل فقال شيركير إن رحلنا عنهم وشاع الأمر نزلوا إلينا وأخذوا ما أعددناه من الأقوات والذخائر والرأي أن نقيم على قلعتهم حتى نفتحها وإن لم يكن المقام فلا بد من مقام ثلاثة أيام حتى ينفذ منا ثقلنا وما أعددناه ونحرق ما نعجز عن حمله لئلا يأخذه العدو
فلما سمعوا قوله علموا صدقه فتعاهدوا على الاتفاق والاجتماع فلما أمسوا رحلوا من غير مشاورة ولم يبق غير شيركير ونزل إليه الباطنية من القلعة فدافعهم وقاتلهم وحمى من تخلف من سرقة العسكر وأتباعه ولحق بالعسكر فلما فارق القلعة غنم الباطنية ما تخلف عندهم
$ ذكر حصار قابس والمهدية $
في هذه السنة جهز علي بن يحيى صاحب أفريقية أسطولا في البحر إلى مدينة قابس وحصرها
وسبب ذلك أن صاحبها رافع بن مكن الدهماني أنشأ مركبا بساحلها ليحمل التجار في البحر وكان ذلك آخر أيام الأمير يحيى فلم ينكر يحيى ذلك جريا على عادته في المداراة فلما ولي علي الأمر بعد أبيه أنف من ذلك وقال لا يكون لأحد من أهل أفريقية أن يناوبني في إجراء المركب في البحر بالتجار فلما خاف رافع أنم يمنعه علي التجأ إلى اللعين رجار ملك الفرنج بصقلية واعتضد به فوعده رجار أن ينصره ويعينه على إجراء مركبه في البحر وأنفذ في الحال أسطولا إلى قابس فاجتازوا بالمهدية فحينئذ تحقق على اتفاقهما وكان يكذبه فلما جاز أسطول رجار بالمهدية أخرج على أسطوله في أثره فتوافى الجميع إلأى قابس فلما رأى صاحبها أسطول الفرنج والمسلمين لم يخرج