@ 192 @
يومئذ بلاء حسنا فانهزم عسكر الملك مسعود آخر النهار وأسر منهم جماعة كثيرة من أعيانهم ومقدميهم وأسر الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود فأمر السلطان بقتله وقال قد ثبت عندي فساد دينه واعتقاده فكانت وزارته سنة وشهرا وقد جاوز ستين سنة وكان حسن الكتابة والشعر يميل إلى صنعة الكيمياء وله فيها تصانيف قد ضيعت من الناس أموالا لا تحصى
وأما ملك مسعود فإنه لما انهزم أصحابه وتفرقوا قصد جبلا بينه وبين الوقعة اثني عشر فرسخا فاختفى فيه ومعه غلمان صغار فأرسل ركابيه عثمان إلى أخيه يطلب له الأمان فسار إلى السلطان محمود وأعلمه حال أخيه مسعود فرق له وبذل له الأمان وأمر آقسنقر بالمسير إليه وتطبيب قلبه وإعلامه بعفوه وإحضاره فكان مسعود بعد أن أرسل يطلب الأمان قد وصل بعض الأمراء إليه وحسن له اللحاق بالموصل وكانت له ومعها أذربيجان وأشار عليه بمكاتبة دبيس بن صدقة ليجتمع به ويكثر جمعه ويعاود طلب السلطنة فسار معه من مكانه ووصل البرسقي فلم يره فأخبره بمسيره فسار في أثره وعزم على طلبه ولو إلى الموصل وجد في السير فأدركه على ثلاثين رسخا من مكانه ذلك وعرفه عفو أخيه وضمن له ما أراد وأعاده إلى العسكر فأمر السلطان محمود العساكر باستقباله وتعظيمه ففعلوا ذلك وأمر السلطان أن ينزل عند والدته وجلس له وأحضره واعتنقا وبكيا وانعطف عليه محمود ووفى له بما بذله وخلطه بنفسه في كل أفعاله فعد ذلك من مكارم محمود
وكانت الخطبة بالسلطنة لمسعود بأذربيجان وبلد الموصل والجزيرة ثمانية وعشرين يوما
وأما أتابكه جيوش بك فإنه سار إلى عقبة أساد أباذ وانتظر الملك مسعود فلم يره وانتظره بمكان آخر فلم يصل إليه فلما أيس منه سار إلى الموصل ونزل بظاهرها وجمع الغلات من السواد إلأيها واجتمع إليه عسكره فلما سمع بما فعله السلطان مع أخيه وأنه عنده علم أنه لا مقام له على هذا الحال فسار كأنه يريد الصيد فوصل إلى الزاب وقال لمن معه إنني عزمت على قصد السلطان محمود وأخاطر بنفسي فسار إليه فوصل وهو بهمذان ودخل إليه فطيب قلبه وأمنه وأحسن إليه
وأما دبيس فإنه كان بالعراق فلما بلغه خبر انهزام الملك مسعود نهب البلاد وأخربها وفعل فيه الأفاعيل القبيحة إلى أن أتاه رسول السلطان محمود وطيب قلبه فلم يلتفت