كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 198 @
والذي يغلب على الآباء السمرة وكان لأمير المسلمين عدة كثيرة من المماليك الفرنج والروم يغلب على ألوانهم الشقرة وكانوا يصعدون الجبل في كل عام مرة ويأخذون ما لهم فيه من الأموال المقررة لهم من جهة السلطان فكانوا يسكنون بيوت أهله ويخرجون أصحابها منها فلما رأى المهدي أولادهم سألهم ما لي أراكم سمر الألوان وأرى أولادكم شقرا زرقا فأخبروه خبرهم مع مماليك أمير المسلمين فقبح الصبر على هذا وأزرى عليهم وعظم الأمر عندهم فقالوا له فكيف الحيلة في الخلاص منهم وليس لنا بهم قوة فقال إذا حضروا عندكم في الوقت المعتاد وتفرقوا في مساكنكم فلقم كل رجل منكم إلى نزيله فليقتله واحفظوا جبلكم فإنه لا يرام ولا يقدر عليه فصبروا حتى حضر أولئك العبيد فقتلوهم على ما قرر لهم المهدي فلما فعلوا ذلك خافوا على نفوسهم من أمير المسلمين فامتنعوا في الجبل وسدوا ما فيه من طريق يسلك إليهم فقويت نفس المهدي بذلك
ثم إن أمير المسلمين أسل إليهم جيشا قويا فحصروهم في الجبل وضيقوا عليهم ومنعوا عنهم الميرة فقتلت عند أصحاب المهدي الأقوات حتى صار الخبز معدوما عندهم وكان يطبخ لهم كل يوم من الحساء ما يكفيهم فكان قوت كل واحد منهم أن يغمس يده في ذلك الحساء ويخرجها فلما علق عليها قنع به ذلك اليوم فاجتمع أعيان أهل تينملل وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين فبلغ الخبر بذلك المهدي بن تومرت وكان معه إنسان يقال له عبد الله الونشريشي يظهر البله وعدم المعرفة بشيء من القرآن والعلم وبزاقه يجري على صدره وهو كأنه معتوه ومع هذا فالمهدي يقربه ويكرمه ويقول إن لله سرا في هذا الرجل سوف يظهر
وكان الونشريشي يلزم الاشتغال بالقرآن والعلم يف السر بحيث لا يعلم أحد ذلك منه
فلما كان سنة تسع عشرة وخاف المهدي من أهل الجبل خرج يوما لصلاة الصبح فرأى إلى جانب محرابه إنسانا حسن الثياب طيب الريح فأظهر أنه لا يعرفه وقال من هذا فقال أنا أبو عبد الله الونشريشي
فقال به المهدي إن أمرك لعجب ثم صلى فلما فرغ من صلاته نادى في الناس فحضروا فقال إن هذا الرجل يزعم أنه الونشريشي فانظروه وحققوا أمره فلما أضاء النهار عرفوه
فقال له المهدي ما قصتك قال إنني أتاني الليلة ملك من السماء فغسل قلبي وعلمني القرآن والموطأ وغيره من العلوم والأحاديث
فبكى المهدي بحضرة

الصفحة 198