كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 204 @
جماعة من أعيان سبتة فدخلوا في طاعته فأجابهم إلى بذل الأمان وكان ذلك سنة إحدى وأربعين
$ ذكر ملك المؤمن مدينة مراكش $
لما فرغ عبد المؤمن من فاس وتلك النواحي سار إلى مراكش وهي كرسي مملكة الملثمين وهي من أكبر المدن وأعظمها وكان صاحبها حينئذ إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وهو صبي فنازلها
وكان نزوله عليها سنة إحدى وأربعين فضرب خيامه في غربيها على جبل صغير وبنى عليه مدينة له ولعسكره وبنى بها جامعا وبنى له بناء عاليا يشرف منه على المدينة ويرى أحوال أهلها وأحوال المقاتلين من أصحابه وقاتلها قتالا كثيرا وأقام عليها أحد عشر شهرا فكان من بها من المرابطين يخرجون يقاتلونهم بظاهر البلد واشتد الجوع على أهله وتعذرت الأقوات عندهم ثم زحف إليهم يوما وجعل لهم كمينا وقال لهم إذا سمعتم صوت الطبل فأخرجوا وجلس هو بأعلى المنظرة التي بناها بشاهد القتال وتقدم عسكره وقاتلوا وصبروا ثم إنهم انهزموا لأهل مراكش ليتبعوهم إلى الكمين الذين لهم فتبعهم الملثمون إلى أن وصلوا إلى مدينة عبد المؤمن فهدموا أكثر سورها وصاحت المصامدة بعبد المؤمن ليأمر بضرب الطبل ليخرج الكمين فقال لهم اصبروا حتى يخرج كل طامع في البلد
فلما خرج أكثر أهله أمر بالطبل فضرب وخرج الكمين عليهم ورجع المصامدة المنهزمون إلى الملثمين فقتلوهم كيف شاؤوا وعادت الهزيمة على الملثمين فمات في زحمة الأبواب ما لا يحصيه إلى الله سبحانه وكان شيوخ الملثمين يدبرون دولة إسحاق بن علي بن يوسف لصغر سنه فاتفق أن إنسانا من جملتهم يقال له عبد الله بن أبي بكر خرج إلى عبد المؤمن مستأمنا وأطلعه على عوراتهم وضعفهم فقوي الطمع فيهم واشتد عليهم البلاء ونصب عليهم المنجنيقات والأبراج وفنيت أقواتهم وأكلوا دوابهم
ومات من العامة بالجوع ما يزيد على مائة ألف إنسان فأنتن البلد من ريح الموتى وكان بمراكش جيش من الفرنج كان المرابطون قد استنجدوا بهم فجاؤوا إليهم نجدة فلما طال عليهم الأمر راسلوا عبد المؤمن يسألون الأمان فأجابهم إليه ففتحوا له بابا من أبواب البلد يقال له أغمات فدخلت عساكره وملكوا المدينة عنوة وقتلوا من وجدوا ووصلوا إلى دار أمير المسلمين فأخرجوا الأمير إسحاق وجميع من معه من أمراء المرابطين فقتلوا

الصفحة 204