كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)
@ 398 @
$ ذكر ملك نور الدين محمود مدينة دمشق $
في هذه السنة في صفر ملك نور الدين محمود بن زنكي بن آقسنقر مدينة دمشق وأخذها من صاحبها مجير الدين أنز بن محمد بن بوري بن طغدكين أتابك وكان سبب حرصه على ملكها أن الفرنج لما ملكوا في العام الماضي مدينة عسقلان لم يكن لنور الدين طريق إلى إزعاجهم عنها لاعتراض دمشق بينه وبين عسقلان فلما ملك الفرنج عسقلان طمعوا في دمشق حتى أنهم استعرضوا كل من بها من مملوك وجارية من النصارى فمن أراد المقام بها تركوه ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهرا شاء صاحبه أم أبى وكان لهم على أهلها كل سنة قطيعة يأخذونها منهم فكان رسلهم يدخلون البلد ويأخذونها منهم فلما رأى نور الدين ذلك خاف أن يملكها الفرنج فلا يبقى حينئذ للمسلمين بالشام مقام فأعمل الحيلة في أخذها حيث علم أنها لا تملك قوة لأن صاحبها متى رأى غلبة ممن يقصده راسل الفرنج واستعان بهم لئلا يملكها من يقوى بها على قتالهم فراسل مجير الدين صاحبها واستماله وواصله بالهدايا وأظهر له المودة حتى وثق إليه فكان نور الدين يقول له في بعض الأوقات إن فلانا قد كاتبني في تسليم دمشق يعني بعض أمراء مجير الدين فكان يبعد الذي قيل عنه ويأخذ أقطاعه فلما لم يبق عنده من الأمراء أحدا قدم أميرا يقال له عطاء بن حفاظ السلمي الخادم وكان شهما شجاعا وفوض إليه أمر دولته فكان نور الدين لا يتمكن معه من أخذ دمشق فقبض عليه مجير الدين وقتله فسار نور الدين حينئذ إلى دمشق وكان قد كاتب من بها من الأحداث واستمالهم فوعدوه بالتسليم إليه فلما حضر نور الدين البلد أرسل مجير الدين إلى الفرنج يبذل لهم الأموال وتسليم قلعة بعلبك إليهم لينجدوه ويرحلوا نور الدين عنه فشرعوا في جمع فارسهم وراجلهم ليرحلوا نور الدين عن البلد فإلى أن اجتمع لهم ما يريدون تسلم نور الدين البلد فعادوا بخفي حنين
أما كيفية تسليم دمشق فإنه لما حصرها ثار الأحداث الذين راسلهم فسلموا إليه البلد من الباب الشرقي وملكه وحصر مجير الدين في القلعة وراسله في تسليمها وبذل له أقطاعا من جملته مدينة حمص فسلمها إليه وسار إلى حمص واعطاه عوضا عنها بالس فلم يرضها وسار منها إلى العراق وأقام ببغداد وابتنى بها
الصفحة 398
504