كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 431 @
وكان صاحب صقلية قد قال إن قتل عبد المؤمن أصحابنا بالمهدية قتلنا المسلمين الذين هم بجزيرة صقلية وأخذنا حرمهم وأموالهم فأهلك الله الفرنج غرقا وكان مدة ملكهم المهدية اثنتي عشر سنة
ودخل عبد المؤمن المهدية بكرة عاشوراء من المحرم سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسماها عبد المؤمن سنة الأخماس وأقام بالمهدية عشرين يوما فرتب أحوالها وأصلح ما انثلم من سورها ونقل إليها الذخائر من الأقوات والرجال والعدد واستعمل عليها بعض أصحابه وجعل معه الحسن بن علي الذي كان صاحبها وأمره أن يقتدي برأيه في أفعاله وأقطع الحسن بها أقطاعا وأعطاه دورا نفيسة يسكنها وكذلك فعل بأولاده ورحل من المهدية أول صفر من السنة إلى بلاد الغرب
$ ذكر إيقاع عبد المؤمن بالعرب $
لما فرغ عبد المؤمن من أمر المهدية وأراد العود إلى الغرب جمع أمراء العرب من بني رياح الذين كانوا بأفريقية وقال لهم قد وجبت علينا نصرة الإسلام فإن المشركين قد استفحل أمرهم بالأندلس واستولوا على كثير من البلاد التي كانت بأيدي المسلمين وما يقاتلهم أحد مثلكم فبكم فتحت البلاد أول الإسلام وبكم يدفع عنها العدو الآن ونريد منكم عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والشجاعة يجاهدون في سبيل الله فأجابوا بالسمع والطاعة فحلفهم على ذلك باله تعالى وبالمصحف فحلفوا ومشوا معه إلى مضيق جبل زغوان وكان منهم إنسان يقال له يوسف بن مالك وهو من أمرائهم ورؤوس القبائل فيهم فجاء إلى عبد المؤمن بالليل وقال له سرا إن العرب قد كرهت المسير إلى الأندلس وقالوا ما غرضه إلا إخراجنا من بلادنا وأنهم لا يفون بما حلفوا عليه فقال يأخذ الله عز وجل الغادر فلما كان الليلة الثانية هربوا إلى عشائرهم ودخلوا البر ولم يبق منهم إلا يوسف بن مالك فسماه عبد المؤمن يوسف الصادق ولم يحدث عبد المؤمن في أمرهم شيئا وسار مغربا يحث السير حتى قرب من القسطنطينية فنزل في موضع مخصب يقال له وادي النساء والفصل ربيع والكلأ مستحسن فأقام به وضبط الطرق فلا يسير من العسكر أحد البتة وذام كذلك عشرين يوما فبقي الناس في جميع البلاد لا يعرفون لهذا العسكر خبرا مع كثرته وعظمه ويقولون ما أزعجه إلا خبر وصله من الأندلس فحث لأجله في السير فعادت العرب الذين جفلوا منه من البرية إلا البلاد لما أمنوا جانبه وسكنوا

الصفحة 431