كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 432 @
البلاد التي ألفوها واستقروا في البلاد فلما علم عبد المؤمن برجوعهم جهز إليهم ولديه أبا محمد وأبا عبد الله في ثلاثين ألف مقاتل من أعيان الموحدين وشجعانهم فجدوا السير وقطعوا المفاوز فما شعر العرب إلا والجيش قد أقبل بغتة من ورائهم من جهة الصحراء ليمنعوهم الدخول إليها إن راموا ذلك وكانوا قد نزلوا جنوبا من القيروان عند جبل يقال له جبل القرن وهم زهاء ثمانين ألف بيت والمشاهير من مقدميهم أبو محفوظ محرز بن زياد ومسعود بن زمام البلاط وجبارة بن كامل وغيرهم فلما أطلت عساكر عبد المؤمن عليهم اضطربوا واختلفت كلمتهم ففر مسعود وجبارة بن كامل ومن معهما من عشائرهما وثبت محرز بن زياد وأمرهم بالثبات والقتال فلم يلتفتوا إليه فثبت هو ومن معه من جمهور العرب فناجزهم الموحدون القتال في العشر الأوسط من ربيع الآخر من السنة وثبت الجمعان واشتد العراك فاتفق أن محرز بن زياد قتل ورفع رأسه على رمح فانهزمت جموع العرب عند ذلك وأسلموا البيوت والحريم والأولاد والأموال وحمل جميع ذلك إلى عبد المؤمن وهو بذلك المنزل فأمر بحفظ النساء العربيات الصرائح وحملهن معه تحت الحفظ والبر والصيانة إلى بلاد الغرب وفعل معهن مثل ما فعل في حريم الأبثج ثم اقبلت إليه وفود رياح مهاجرين في طلب حريمهم كما فعل الأبثج فأجمل الصنيع لهم ورد الحريم إليهم فلم يبق منهم أحد إلا صار عنده وتحت حكمه وهو يخفض لهم الجناح ويبذل فيهم الإحسان ثم إنه جهزهم إلى ثغور الأندلس على الشرط الأول وجمعت عظام العرب المقتولين في هذه المعركة عند جبل قرن فبقيت دهرا طويلا كالتل العظيم يلوح للناظرين من مكان بعيد وبقيت أفريقية مع نواب عبد المؤمن آمنة ساكنة لم يبق فيها من أمراء العرب خارج عن طاعته إلا مسعود البلاط بن زمام وطائفته في أطراف البلاد
$ ذكر غرق بغداد $
في هذه السنة ثامن ربيع الآخر كثرت الزيادة في دجلة وخرق القورج فوق بغداد وأقبل المد إلى البلد فامتلأت الصحارى وخندق البلد وأفسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسع عشر الشهر فوقع بعض السور عليها فسدها ثم فتح الماء فتحة أخرى وأهملوها ظنا أنها تنفس عن السور لئلا يقع فغلب الماء

الصفحة 432