كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 468 @
الحصن فبلغني عنه أنه قال له ندماؤه وخواصه على أي شيء عزمت فقال على القعود فإن نور الدين قد تحشف من كثرة الصوم والصلاة وهو يلقي نفسه في المهالك فكلهم وافقه على هذا الرأي فلما كان الغد أمر بالتجهيز للغزاة فقال له أولئك ما عدا مما بدا فارقناك أمس على حالة فنراك اليوم على ضدها فقال إ نور الدين قد سلك معي طريقا إن لم أنجده خرج أهل بلادي عن طاعتي وأخرجوا البلاد عن يدي فإنه قد كاتب زهادها وعبادها والمتقطعين عن الدنيا يذكر لهم ما لقي المسلمون من الفرنج وما نالهم من القتل والأسر ويستمد منهم الدعاء ويطلب أن يحثوا المسلمين على الغزاة فقد قعد كل واحد من أولئك ومعه أصحابه وأتباعه وهم يقرؤون كتب نور الدين ويبكون ويلعنونني ويدعون علي فلا بد من المسير إليه ثم تجهز وسار بنفسه وأما نجم الدين فإه سير عسكرا
فلما اجتمعت العساكر سار نحو حارم فحصرها ونصب عليها المجانيق و تابع الزحف إليها فاجتمع من بقي بالساحل من الفرنج فجاءوا في حدهم وحديدهم وملوكهم وفرسانهم وقسوسهم ورهبانهم وأقبلوا إليه من كل حدب ينسلون وكان المقدم عليهم البرنس بيمند صاحب أنطاكية وقمص صاحب طرابلس وأعمالها وابن جوسلين وهو من مشاهير الفرنج والدوك وهو مقدم كبير من الروم وجمعوا الفارس والراجل فلما قاربوه رحل عن حارم إلى أرتاخ طمعا أن يتبعوه فيتمكن منهم ببعدهم عن بلادهم إذا لقوه فساروا فنزلوا على غمر ثم علموا عجزهم عن لقائه فعادوا إلى حارم فلما عادوا تبعهم نور الدين في أبطال المسلمين على تعبية الحرب فلما تقاربوا اصطفوا للقتال فبدأ الفرنج بالحملة على ميمنة المسلمين وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن فانهزم المسلمون فيها وتبعهم الفرنج
فقيل كانت تلك الهزيمة من الميمنة على اتفاق ورأي دبروه وهو أن يتبعهم الفرنج فيبعدوا عن راجلهم فيميل عليهم من بقي من المسلمين بالسيوف فإذا عاد فرسانهم لم يلقوا راجلا يلجؤون إليه ولا وزيرا يعتمدون عليه ويعود المنهزمون في آثارهم فيأخذهم المسلمون من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فكان الأمر على ما دبروه فإن الفرنج لما تبعوا المنهزمين عطف عليهم

الصفحة 468