كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 9)

@ 472 @
وطلب منه ذلك وأرسل الأمير عيسى أمير مكة هدية كبيرة وخلعا سنية منها عمامة شراها ثلاثمائة دينار حتى مكنه من ذلك وعمر أيضا المسجد الذي على جبل عرفات والدرج التي يصعد فيها إليه وكان الناس يلقون شدة في صعودهم وعمل بعرفات أيضا مصانع للماء وأجرى الماء إليها من نعمان في طرق معمولة تحت الأرض فخرج عليها مال كثير وكان يجري الماء في المصانع كل ستة أيام عرفات وبنى سورا على مدينة النبي وعلى قيد وبنى لها أيضا فصيلا وكان يخرج على باب داره كل يوم للصعاليك والفقراء مائة دينار أميري هذا سو الإدارات والتعهدات للأئمة والصالحين وأرباب البيوت ومن أبنيته العجيبة التي لم ير الناس مثلها الجسر الذي بناه على دجلة عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت والحديد والرصاص والكاس فقبض قبل أ يفرغ وبنى عندها أيضا جسرا كذلك على النهر المعروف بالأرماد وبنى الربط وقصده الناس من أقطار الأرض ويكفيه أن ابن الخجندي رئيس أصحاب الشافعي بأصفهان قصده وابن الكافي قاضي همذان فأخرج عليهما مالا عظيما وكانت صدقاته وصلاته من أقاصي خراسان إلى حدود اليمن وكان يشتري الأسرى كل سنة بعشرة آلاف دينار هذا من الشام حسب سوى ما يشترى من الكرج
حمى لي والدي عنه قال كثيرا ما كنت أرى جمال الدين إذا قدم إليه الطعام يأخذ منه ومن الحلوى ويتركه في خبز بين يديه فكنت أنا ومن يراه نظن أنه يحمله إلى أم ولده علي فاتفق أنه في بعض السنين جاء إلى الجزيرة مع قطب الدين وكنت أتولى ديوانها وحمل جاريته أم ولده إلى داري لتدخل الحمام فبقيت في الدار أياما فبينما أنا عنده في الخيام وقد أكل الطعام فعل كما كان يفعل ثم تفرق الناس فقمت فقال أقعد فقعدت فلما خلا المكان قال لي قد آثرتك اليوم على نفسي فإنني في الخيام ما يمكنني أن أفعل ما كنت أفعله خذ هذا الخبز واحمله أنت في كمك في هذا المنديل واترك الحماقة من رأسك وعد إلى بيتك فإذا رأيت في طريقك فقيرا يقع في نفسك أنه مستحق فاقعد أنت بنفسك وأطعمه هذا الطعام
قال ففعلت ذلك وكان معي جمع كثير ففرقتهم في الطريق لئلا يروني أفعل ذلك وبقيت في غلماني فرأيت في موضع إنسانا أعمى وعنده أولاده وزوجته وهم من الفقر في حال شديد فنزلت عن دابتي إليهم وأخرجت الطعام وأطعمتهم إياه

الصفحة 472