@ 96 @
ووقف صنجيل على بعض سقوفه المتحرقة ومعه جماعة من القمامصة والفرسان فانخسف بهم فمرض صنجيل من ذلك عشرة أيام ومات وحمل إلى القدس فدفن يفه ثم إن ملك الروم أمر أصحابه باللاذقية ليحملوا الميرة إلى هؤلاء الفرنج الذين على طرابلس فحملوها في البحر فأخرج إليها فجر الملك بن عمار أسطولا فجرى بينهم وبين الروم قتال شديد فظفر المسلمون بقطعة من الروم فأخذوها وأسروا من كان بها وعادوا ولم تزل الحرب بين أهل طرابلس والفرنج خمس سنين إلى هذا الوقت فعدمت الأقوات به وخاف أهله على نفوسهم وأولادهم وحرمهم فجلا الفقراء وافتقر الأغنياء وظهر من ابن عمار صبر عظيم وشجاعة ورأي سديد ومما أضر بالمسلمين فيها أن صاحبها استنجد سقمان بن أرتق فجمع العساكر وسار إليه فمات في الطريق على ما ذكرناه وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه وأجرى ابن عمار الجرايات على الجند والضعفاء فلما قلت الأموال عنده شرع يقسط على الناس ما يخرجه في باب الجهاد فأخذ من رجلين من الأغنياء مالا مع غيرهما فخرج الرجلان إلى الفرنج وقالا إن صاحبنا صادرنا فخرجنا إليكم لنكون معكم وذكروا له أنه تأتيه الميرة من عرفة والجبل فجعل الفرنج جمعا على ذلك الجانب يحفظه من دخول شيء إلى البلد فأرسل ابن عمار وبذل الفرنج مالا كثيرا ليسلموا الرجلين إليه فلم يفعلوا فوضع عليهما من قتلهما غيلة
وكانت طرابلس من أعظم بلاد الإسلام وأكثرها تجملا وثروة فباع أهلها من الحلي والأواني الغربية ما لا حد عليه حتى بيع كل مائة درهم نقرة بدينار وشتان بين هذه الحالة وبين حال الروم أيام السلطان ألب أرسلان وقد ذكرت ظفره بهم سنة ثلاث وستين وأربعمائة
وكان بعض أصحابه وهو كمشتكين دواتي عميد الملك هرب منه خوفا لما قبض على صاحبه عميد الملك وسار إلى الرقة فملكها وصار معه مثير من التركمان فيهم الأفشين وأحمد شاه فقتلاه وأرسلا أمواله إلى ألب أرسلان ودخل الأفشين بلاد الروم وقاتل الفردوس صاحب أنطاكية فهزمه وقتل من الروم خلقا كثيرا وسار ملك الروم من القسطنطينية إلى ملطية فدخل الأفشين بلاده ووصل إلى عمورية وقتل في غزاته مائة ألف آدمي ولما عاد إلى بلاد الإسلام وتفرق من معه خرج عليه عسكر الرها وهي حينئذ للروم ومعهم بنو نمير من العرب فقاتلهم ومعه مائتا فارس فهزمهم ونهب بلاد الروم فأرسل إلى ألب أرسلان في ذلك فصالح الروم على مائة ألف دينار وأربعة آلاف