كتاب فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (اسم الجزء: 9)

أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) (¬1) .
فعمارة المساجد من أوجب الواجبات، وأفضل القربات، كما أن السعي في خرابها والاستهانة بها من أعظم المحرمات. فيجب احترام المساجد وتعظيمها كما عظمها الله، ولاتجوز الاستهانة بها، وتقديرها والاستخفاف بحقها والاستهانة بحرمتها؛ لأنها بيوت الله، ومواضع عبادته، ومشاعد دينه، فالاستخفاف والاستهانة بحرمتها من أعظم أنواع الجرأة على الله والاستخفاف بدينه. وقد تكاثرت الأدلة في الحث على احترامها وتنظيفها وتطيبها وإماطة الأذى والأوساخ والقذى عنها، كما جاءت النصوص بالنهي والتحذير عن السعي في خرابها، والمنع من أن يذكر فيها اسم الله، وعمل كل ماينفر عنها أو يقلق راحة المصلين فيها، وقد ورد في الحديث " البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها " (¬2) وورد أنه صلى الله عليه وسلم حينما رأى نخامة في المسجد غضب وأمر بحكها (¬3) وكذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم عزل الامام الذي تنخم في قبلة المسجد (¬4) ونهى آكل الثوم والبصل من قربان المسجد (¬5) .
فإذا كان الأمر ماذكر من وجوب احترام المساجد وتعظيمها والتحذير عن كل ماينفر عنها علم تحريم الاقدام على هدمها ونقلها لمسوغ تصوره متصور من غير حصول على إفتاء شرعي مدعم بالدليل. ولاتكون الفتوى في مسجد بعينه فتوى في عموم المساجد؛ بل كل مسجد يحتاج إلىفتوى فيه بعينه؛ لأن الأصل المانع، ويحتاج كل مسجد إلى نظر جديد وتأمل في جنس المسوغات حتى يتحقق المسوغ؛ فهدم المساجد ونقلها بدون تحقق مسوغ شرعي لم يقل بجوازه أحد من علماء المسلمين.
أما نقلها لمصلحة أو لتعين منفعة فهذا فيه خلاف بين العلماء، منهم من منعه وهم الجمهور من العلماء، واستدلوا بحديث: " لايباع أصلها ولايوهب ولايورث" (¬6) ومنهم من أجازه إذا تعطلت منافعة ولم يجزه لرجحان
¬_________
(¬1) سورة النور ـ آية 36 - 37.
(¬2) متفق عليه.
(¬3) اخرجه البخاري ومسلم.
(¬4) أخرجه أبوداود وابن حبان من حديث السائب.
(¬5) في حديث متفق عليه عن جابر.
(¬6) متفق عليه من حديث ابن عمر.

الصفحة 160