كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

لحم، فاقتلع ضرسه وهو لا يعلم، وكان إذا أكل ذهب عقله ولم يسمع ولم يبصر، وكان يأكل التمر سفّا، ويزدرده زردا، وإذا وجده كثيرا تناول القطعة منه كجمجمة [الثور] ثم كدمها ونهشها طولا وعرضا، ورفعا وخفضا، حتى يأتي عليها، ثم لا تقع عضّته إلا على الأنصاف والأثلاث، ولا رمى بنواة قطّ، ولا نزع قمعا، ولا نفى عنه قشرا، ولا نفض منه السّوس ولا غيره.
«244» - قال الأصمعيّ: دخلت يوما على الرشيد، فأتي بفالوذج مفرط الحرارة، فقلت: أحدّثك يا أمير المؤمنين بحديث إلى أن يفتر، فقال: هات، قلت: كان مزرّد أخو الشّمّاخ غلاما شرها جشعا، وكانت أمّه تؤثر عليه إحوته في الطعام، فغابت يوما في بعض الحقوق وخلّفت مزرّدا في الرّحل، فأخذ صاعا من عجوة، وصاعا من سمن، وصاعا من دقيق. فضرب بعضه ببعض وجعل يأكل ويقول: [من الطويل]
ولمّا غدت أمّي تزور بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع
لبكت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريّع
وقلت لبطني ابشر اليوم إنّه ... قرى أمّنا ممّا تحوز وتمنع
فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع
فضحك الرشيد وقال: يا أصمعي، كل باسم الله، هذا يوم تشبع.
245- قال الناجم: دعا قوم أبا عثمان الجاحظ، فلما قرّبت المائدة قال:
[إني صائم] . فبينما هم يأكلون إذ قرّب على المائدة جدي شهيّ، فلمّا رآه، حسر عن ذراعيه وازدلف إليه، فقيل له: ألم تكن صائما؟ فقال: الأيام أكثر من الجداء.
«246» - قال أحمد بن بشير: دخلت يوما المسجد وإذا فيه رقبة بن مصقلة

الصفحة 105