كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

كانت الحملة للروم، ارتفع من الأخرى. فسأل يزيد عنهما، فقيل: هذه ابنة ملك الروم، وتلك ابنة جبلة بن الأيهم، وكلّ واحدة تظهر السرور بما تفعله عشيرتها. فقال: أم والله لأسرّنّهما. ثم كفّ العسكر، وحمل حتى هزم الروم فأحجرهم في المدينة، وضرب باب القسطنطينية بعمود حديد كان في يده، فهشمه حتى انخرق، فضرب عليه لوح من ذهب، فهو عليه إلى اليوم.
383- قال ميمون بن هارون: رأى الرشيد فيما يرى النائم [امرأة تحمل] كفّ تراب ثم قالت له: هذه [التربة التي تدفن فيها] فأصبح فزعا، فقصّ رؤياه، فقال له أصحابه: وما في هذا؟ قد يرى النائم أكثر من هذا وأغلظ، ثم لا يضرّ. فركب وقال: إني لأرى الأمر قريبا، فبينا هو يسير إذ نظر إلى امرأة واقفة من وراء شبّاك حديد تنظر إليه، فقال: هذه والله المرأة التي رأيتها، ولو رأيتها بين ألف امرأة ما خفيت عليّ، ثم أمرها أن تأخذ كفّ تراب فتدفعه إليه، فضربت بيدها الأرض التي كانت عليها فأعطته منها كفّ تراب، فبكى وقال: هذه والله التربة التي رأيتها [في منامي وهذه الكف بعينها، فمات] بعد مدّة، فدفن في ذلك الموضع بعينه، اشتري له ودفن فيه.
«384» - كان المأمون قد أطلق لأصحابه الكلام والمناظرة في مجلسه، فناظر يوما بين يديه محمد بن العباس الصّولي عليّ بن الهيثم في الإمامة، فتقلّدها أحدهما ودفعه الآخر، فلجّت المناظرة بينهما إلى أن نبّط [1] محمد عليّا، فقال له عليّ: إنما تكلّمت بلسان غيرك، ولو كنت في غير هذا المجلس لسمعت أكثر ممّا قلت.
__________
[1] أي قال له يا نبطي.

الصفحة 172