كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

فغضب المأمون وأنكر على محمد ما قال، وما كان منه من سوء الأدب بحضرته، ونهض عن فرشه، ونهض الجلساء فخرجوا. فأراد محمد أن ينصرف، [فمنعه صاحب المصلى وقال علي بن صالح] : أفعلت ما فعلت بحضرة أمير المؤمنين ونهض على الحال التي رأيت، ثم تنصرف بغير إذن منه؟ اجلس حتى نعرف رأيه فيك، وأمر بأن يحبس. ومكث المأمون ساعة ثم خرج، فجلس على سريره، وأمر بالجلساء فردّوا إليه، فدخل إليه عليّ بن صالح، فعرّفه ما كان من قول محمد والانصراف، وما كان من منعه إيّاه، فقال: دعه ينصرف إلى لعنة الله. فانصرف.
وقال المأمون لجلسائه: أتدرون لم دخلت إلى النساء في هذا الوقت؟ قالوا:
لا، قال: إنّه لمّا كان من أمر هذا الجاهل ما [كان لم آمن فلتات الغضب وله بنا حرمة] فدخلت إلى النساء فعابثتهنّ حتى سكن غضبي.
ومضى محمد من وجهه إلى طاهر بن الحسين، فسأله الركوب إلى المأمون وأن يستوهبه جرمه، فقال له طاهر: ليس هذا من أوقاتي، وقد كتب إليّ خليفتي في الدار أنّه قد دعا بالجلساء. فقال محمد: أكره أن أبيت ليلة وأمير المؤمنين عليّ ساخط. فلم يزل به حتى ركب طاهر معه، فأذن له فدخل ومجير الخادم واقف على يمين المأمون. فلما بصر المأمون بطاهر أخذ منديلا كان بين يديه، فمسح بين عينيه مرّتين أو ثلاثا إلى أن وصل إليه [وحرك شفتيه بشيء أنكره طاهر، ثم دنا] فسلّم، فردّ السلام وأمره بالجلوس، فجلس في موضعه، فسأله عن مجيئه في غير وقته، فعرّفه الخبر واستوهبه ذنب محمد، فوهبه له. فانصرف، وعرّف محمّدا ذلك، ثم دعا بهارون بن جعونه [1] ، وكان شيخا خراسانيّا داهية ثقة عنده، فذكر له فعل المأمون، وقال له: الق كاتب مجير الخادم، والطف به، وتضمن له عشرة آلاف درهم على
__________
[1] الطبري: جبغويه وفي الطبعة الأوروبية: جيغويه.

الصفحة 173