كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

تعريفك ما قاله المأمون، ففعل ذلك، ولطف له، وعرّفه أنّه لمّا رأى طاهرا دمعت عيناه، وترحّم على محمد الأمين، ومسح دمعه بالمنديل. فلما عرف ذلك طاهر ركب من وقته [إلى أحمد بن أبي خالد الأحول] ، وكان طاهر لا يركب إلى أحد من أصحاب المأمون، وكلّهم يركب إليه، فقال له: جئتك لتوليني خراسان وتحتال لي فيها. وكان أحمد يتولّى فضّ الخرائط بين يدي المأمون وغسّان بن عباد إذ ذاك يتولى خراسان. فقال له أحمد: هلّا أقمت بمنزلك وبعثت إليّ حتى أصير إليك، ولا يشهر الخبر فيما تريده بما ليس من عادتك، لأنّ المأمون يعلم أنّك لا تركب إلى أحد من أصحابه، وسيبلغه هذا فينكره، فانصرف وأغض عن هذا الأمر وأمهلني مدّة حتى أحتال لك.
[ولبث مدة، وزوّر ابن أبي خالد] كتابا من غسان بن عبّاد إلى المأمون يذكر فيه أنّه عليل، وأنّه لا يأمن على نفسه، ويسأل أن يستخلف غيره على خراسان، وجعله في خريطة، وفضّها بين يدي المأمون في خرائط وردت عليه.
فلما قرأ على المأمون الكتاب، اغتمّ به وقال: ما ترى؟ فقال: لعلّ هذه علّة عارضة تزول، وسيرد بعد هذا غيره، فيرى حينئذ أمير المؤمنين رأيه. ثم أمسك أيّاما وكتب كتابا آخر ودسّه في الخرائط يذكر فيه أنّه قد تناهى في العلّة إلى ما لا يرجو معه [نفسه. فلما قرأه المأمون قلق وقال: يا أحمد إنه لا مدفع لأمر خراسان، فما ترى؟] فقال: هذا رأي إن أشرت فيه بما أرى فلم أصب، لم أستقله [1] ، وأمير المؤمنين أعلم بخدمه ومن يصلح لخراسان منهم. قال: فجعل المأمون يسمّي رجالا ويطعن أحمد على واحد واحد منهم، إلى أن قال له: فما ترى في الأعور؟ فقال: إن كان عند أحد قيام بهذا الأمر ونهوض فيه، فعنده.
فدعا به المأمون فعقد له على خراسان، وأمره أن يعسكر فعسكر بباب خراسان.
__________
[1] لم أستقله: لم أطلب الاقالة منه.

الصفحة 174