كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)
ثم تعقّب الرأي، فعلم أنّه قد أخطأ، فتوقّف عن إمضاء أمره، وخشي أن يوحش طاهرا بنقضه، فمضى شهر تامّ وطاهر [مقيم بمعسكره، ثم إن المأمون أرق في السحر] من ليلة أحد وثلاثين يوما من عقده اللواء لطاهر. وأمر بإحضار مخارق المغنّي، فأحضر وقد صلّى المأمون [الغداة] مع طلوع الفجر، وقال:
يا مخارق، أتغنّي: [من الوافر]
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
وكيف تريد أن تدعى عظيما ... وأنت لكلّ ما تهوى تبوع
الشعر لعمرو بن معد يكرب. فقال: نعم، قال: فهاته، فغنّاه، فقال: ما صنعت شيئا، فهل تعرف من يقوله أحسن ممّا تقوله؟ قال: نعم، علّويه الأعسر.
فأمر بإحضاره، [فكأنه كان وراء ستر] ، فغنّاه واحتفل. قال: ما صنعت شيئا، أفتعرف من يقوله أحسن ممّا تقوله؟ قال: نعم، عمرو بن بانة، فأمر بإحضاره، فدخل في مقدار دخول علّويه، فأمره أن يغنّي الصوت، فغنّاه فأحسن. فقال:
أحسنت ما شئت! هكذا ينبغي أن يقال. ثم قال: يا غلام، اسقني رطلا، واسق صاحبيه رطلا رطلا، ثم دعا بعشرة آلاف درهم، وخلعة ثلاثة أثواب، ثم أمر بإعادته، فأعاده، فردّ القول الذي قاله وأمر بمثل ما أمر به حتى فعل ذلك عشرا، وحصل لعمرو مائة ألف درهم وثلاثون ثوبا. ودخل المؤذّنون فآذنوه بالظّهر، فنقد [أصبعه الوسطى بابهامه وقال] برق يمان. وكذلك كان يفعل إذا أراد أن ينصرف من بحضرته من الجلساء. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين قد أنعمت عليّ وأحسنت إليّ، فإن رأيت أن تأذن لي في مقاسمة أخويّ ما وصل إليّ، فقد حضراه؟ فقال:
ما أحسن ما استمحت لهما! بل نعطيهما نحن ولا نلحقهما بك. وأمر لكلّ واحد منهما بمثل نصف جائزة عمرو.
وبكّر إلى طاهر، فرحّله، فلما ثنى عنان دابته منصرفا، دنا منه حميد الطوسي فقال له: اطرح على ذنبه ترابا. فقال اخسأ يا كلب، ونفذ طاهر
الصفحة 175
476