كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

لوجهه. وقدم غسّان بن عبّاد فسأله عن علّته وسببها، فحلف له أنه لم يكن عليلا ولا كتب بشيء من هذا، فعلم المأمون أن طاهرا احتال عليه بابن أبي خالد، وأمسك على ذلك، فلما كان بعد مدة من مقدم طاهر إلى خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون بن مجاشع بن مسعدة صاحب البريد: كيف أقدمت على هذا الفعل ولم تدع في هذه الجمعة لأمير المؤمنين؟
فقال: سهو وقع فلا تكتب به، وفعل مثل ذلك في الجمعة الثانية وقال لعون: لا تكتب به، وفعل مثل ذلك في الجمعة الثالثة، فقال له عون: إنّ كتب التجار لا تنقطع من بغداد، وإن اتصل هذا الخبر بأمير المؤمنين من غيري لم آمن أن يكون سبب زوال نعمتي. فقال: اكتب بما أحببت، فكتب إلى المأمون بالخبر، فلما وصل كتابه دعا بأحمد بن أبي خالد وقال: إنه لم يذهب عليّ احتيالك عليّ في أمر طاهر وتمويهك له، وأنا أعطي الله عهدا لئن لم تشخص حتى توافيني به كما أخرجته من قبضتي، وتصلح ما أفسدته عليّ من أمر ملكي لأبيدنّ غضراءك [1] ، فشخص أحمد وجعل يتلوّم في الطرق ويقول لأصحاب البرد: اكتبوا بخبر علّة أجدها. فلما وصل إلى الرّيّ لقيته الأخبار بوفاة طاهر، ووافته رسل طلحة [بن طاهر، فأغذّ السير حتى قدم] خراسان فلقيه طلحة على حدّ عمله [2] ، فقال له أحمد: لا تكلّمني، ولا ترني وجهك فإنّ أباك عرّضني للعطب وزوال النعمة مع احتيالي له وسعيي كان في محبّته. فقال له: أبي قد مضى لسبيله، ولو أدركته لما خرج من طاعتك، وأنا فأحلف لك بكلّ ما تسكن إليه، وأبذل لك كلّ ما عندي من مال وغيره، فاضمن عني حسن الطاعة وضبط الناحية، والإخلاص في النصيحة. فكتب أحمد بخبره وخبر طاهر وخبر طلحة إلى المأمون، وأشار بتقليده. فأنفذ المأمون إليه اللواء والعهد والخلع، وانصرف أحمد إلى مدينة السلام.
__________
[1] الغضراء: الأرض الطيبة الخضراء، وأباد غضراءه: أهلك خيره ونضارته.
[2] الأغاني: على حين غفلة.

الصفحة 176