كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

وكان أبو هريرة رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ قلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد، قال: فكرّ معي حتى تقيمني عليه. [فكررت به] فأتى على ذلك المكان بعينه، فإذا هو لا غدير به ولا مطر ولا أثر لماء. فقلت له: والله لولا أني لا أرى الغدير لأخبرتك أنّ هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء من قبل ذلك اليوم. فنظر أبو هريرة إداواته مملوءة فقال: هذا والله المكان بعينه، ولهذا رجعت ورجعت بك، وملأت إداوتي ثم وضعتها على شفير الوادي. فقلت: إن كان منّا من المنّ وكانت آية عرفتها، وحمد الله، ثم سرنا حتى ننزل هجر.
[وأرسل] العلاء إلى الجارود ورجل آخر أن انضمّا في عبد القيس حتى تنزلا على الحطم ممّا يليكما. (وكان الحطم، وهو [شريح بن ضبيعة] ممّن ارتدّ وقويت شوكته، واجتمعت ربيعة بالبحرين، وردّوا الملك في آل المنذر فملّكوا المنذر بن النعمان بن المنذر، وقيل: هو ابن سويد بن المنذر أخي النعمان وكان يسمّى الغرور، ثم أسلم بعد ذلك، وكان يقول: لست بالغرور، ولكني المغرور) [1] .
وخرج العلاء بن الحضرميّ بمن معه ومن [قدم] عليه حتى نزل ممّا يلي هجر، وتجّمع المشركون كلّهم على العلاء [2] . وخندق المسلمون والمشركون، وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا على ذلك شهورا [3] . فبينا الناس ليلة كذلك إذ سمع المسلمون في معسكر المشركين [ضوضاء شديدة كأنها ضوضاء] هزيمة [أو قتال] ، فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ [فقال عبد الله بن حذف: أنا آتيكم بخبر القوم]- وكانت أمّه عجليّة- فخرج حتى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له: من أنت؟ فانتسب لهم وجعل ينادي: يا
__________
[1] ما بين قوسين نقل مضطرب من سياق آخر عند الطبري وأبي الفرج.
[2] الأغاني: وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء.
[3] في المصدرين: شهرا.

الصفحة 178