كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

أبجراه! فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: لا أضيعنّ الليلة بين اللهازم، وعلام أقتل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وقيس وعنزة؟
أيتلاعب بي الحطم ونزّاع القبائل وأنتم شهود؟ فتخلّصه وقال: والله إنّي لأظنّك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة! فقال: دعني من هذا، وأطعمني، فقد متّ جوعا. فقرّب إليه طعاما فأكل ثم قال: زوّدني [واحملني وجوّزني أنطلق إلى طيّتي]- ويقول ذلك لرجل قد غلب عليه الشراب- ففعل وحمله على بعير وزوّده وجوّزه. وخرج عبد الله حتى دخل عسكر المسلمين وأخبرهم أنّ القوم سكارى. فخرج المسلمون عليهم حتى اقتحموا عسكرهم، فوضعوا فيهم السيوف حيث شاءوا، فتقحّموا الخندق هرّابا، فمتردّ، وناج ودهش ومقتول ومأسور، واستولى المسلمون على ما في العسكر، فلم يفلت رجل إلا بما عليه.
فأمّا أبجر فأفلت، وأما الحطم فإنّه بعل [1] ودهش، فقام إلى فرسه- والمسلمون خلالهم- ليركب، فلما وضع رجله في الرّكاب انقطع، فمرّ به عفيف بن [المنذر] والحطم يستغيث ويقول: ألا رجل من بني قيس بن ثعلبة يعقلني، فرفع صوته، فعرفه عفيف فقال: أبو ضبيعة؟ قال: نعم، قال: أعطني رجلك أعقلك. فأعطاه رجله يعقلها، فنفحها فأطنّها [2] من الفخذ وتركه، فقال: أجهز عليّ، فقال: إني لأحبّ ألا تموت حتى أمضّك- وكان مع عفيف عدّة من ولد أبيه، فأصيبوا ليلتئذ- وجعل الحطم يطلب من يقتله، يقول ذلك لمن لا يعرفه، حتى مرّ به قيس بن عاصم فمال عليه فقتله، فلما رأى فخذه نادرة قال:
واسوأتاه! لو علمت الذي به لم أجهز عليه.
وخرج المسلمون بعدما أحرزوا الخندق على القوم يطلبونهم، فاتبعوهم [فلحق قيس بن عاصم أبجر- وكان] فرس أبجر أقوى من فرس قيس، فلما خشي أن يفوته طعنه في العرقوب، فقطع العصب، وسلم النّسا، فقال عفيف
__________
[1] بعل: خاف ودهش.
[2] نفحها فأطنها: ضربها بالسيف فقطعها.

الصفحة 179