كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

الرابعة، فإنّ أباك كان خلّا لأبي. وقد غفرت لك أربعا: فإحداهنّ: عدوك عليّ بصفّين فيمن عدا، وإساءتك في خذلان عثمان فيمن أساء، وسعيك على عائشة فيمن سعى، ونفيك عنّي زيادا فيمن نفى. [فضربت أنف هذا الأمر وعينه حتى استخرجت مقتك] في كتاب الله عزّ وجلّ، وفي قول الشاعر.
فأما ما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
(التوبة: 102) وأمّا في الشعر، فقول الذّبيانيّ:
[من الطويل]
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرجال المهذّب [1]
إنّا قد قبلنا منك الأوّل، وغفرنا لك الآخر.
فقال ابن عباس: الحمد لله الذي أمر بحمده، ووعد عليه ثوابه، أحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلم.
[أما بعد، فإنك ذكرت أنك تحبني] لقرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وذلك الواجب عليك وعلى كلّ من آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه لأنّه الأجر الذي سألكم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى
(الشورى: 23) ، وهو الأجر الذي سألكم عمّا أتاكم به من الضياء والنهار المنير، فمن لم يحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد خاب وكبا، وخزي وهوى، وحلّ محلّ الأشقياء.
وأما قولك: إني من أسرتك وأهل بيتك، فهو كذلك، إنما أردت صلة الرحم، وصلة الرحم من أفعال الأبرار، ولعمري إنّك وصول لرحمك مع ما كان منك ممّا لا [تثريب عليك فيه اليوم] .
وأمّا قولك: إني لسان قريش وزعيمها، فإني لم أعط من ذلك شيئا لم تعطه، ولكنك قلت ذلك لشرفك وفضلك كما قال الأول: [من الطويل]
__________
[1] ديوان النابغة (أبو الفضل إبراهيم) : 74.

الصفحة 182