كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

فقال: يجوز أن تقطع جدّي وآله مائة ألف، قال: كيف؟ فقال: لأنك قد ضمّنت القضاء لابن أبي الشوارب بمائة ألف، وتحيّل عليه الغلمان في الشهوات والخمور، وما بقي من آثار رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشريعته إلا الحكم، فلو تركت هذه المائة ألف له. فقال: قد فعلت، ولكن انظر من يصلح للقضاء، فأثبته لي حتى أولّيه لمن يعمل فيه بالواجب. فمضى أبو عبد الله ابن الداعي إلى أبي عبد الله البصريّ، وسأله من يصلح لذلك، فأملى عليه ستّة عشر نفرا: أبو بكر الرازيّ، وابن معروف، وأبو بكر بن سيّار من أصحاب أبي حنيفة، وأبو بكر الأبهريّ، وأبو الحسن ابن أمّ شيبان من أصحاب مالك، وأبو بشر بن أكثم من أصحاب الشافعيّ. فجاء ابن الداعي إلى ابن بويه وعرض عليه الأسماء، فقال: أمّا أبو بكر الرازي وأبو بكر الأبهري، فكلّ واحد منهما يصلح أن يكون قاضي قضاة الدنيا فضلا عن بغداد، ولا مطعن عليهما في شيء، إلا أنّ أخي ركن الدولة أبا عليّ إن بلغه هذا يقول: أما وجد ببغداد- وهي حضرة الخلافة- أحدا يولّيه القضاء حتى ولّى من هو من أهل عملي، والسياسة توجب.... يرجع إليهما.
وأما أبو محمد بن معروف، فقيل لي إنّه يحضر الغناء. وبعد أن جعلت في نفسي أن أولّي هذا الأمر لله، فلا أريد أن أولّي فيه من يتطرّق عليه بشيء. وأمّا أبو الحسن ابن أمّ شيبان فيصلح لهذا، وقد كان تولّى قضاء القضاة قبل هذا، ولكنه هاشميّ وهو ابن عمّ الخليفة، ومتى صار القضاء إليه وازر الخليفة ولم أطقه، وخرج القضاء عن يدي.
وأمّا أبو بكر بن سيّار، فكنت قد أنفذته في رسالة إلى الأهواز، فعاد وأهدى إليّ غلاما حسنا وهو يعرف رأيي في الغلمان، ومن يتقرّب بمثل هذا لا أريد أن أولّيه القضاء، فقلت له: أبو بشر؟
وعرّفت أبا عبد الله البصريّ، فقال لأبي محمد الأكفاني: امض إلى أبي بشر ابن أكثم وسلّم عليه بقضاء القضاة، وعرّفه الحال ليعلم أنّ هذا من قبلنا، وتكون لنا عنده يد. فمضى إلى أبي بشر، وكان شيخا قد كبرت سنّه، فسلّم عليه

الصفحة 185