كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

بالقضاء، فقال: أتهزا بي وأنا شيخ كبير؟! فقال: ما أهزأ، وعرّفه القصة.
فقبّل بين عيني أبي محمد، وتولّى قضاء القضاة، وأقام نحوا من أربع سنين. ثم اطّلع بعد ذلك على خيانته، ووقف للناس ثم تغيّرت الأحوال.
«389» - كان جامع بن أمية المحاربيّ من الخطباء البلغاء وكان متديّنا [صالحا، وهو الذي قال للحجاج حين بنى] مدينة واسط: بنيتها في غير بلدك، وتورّثها غير ولدك.
وشكا إليه الحجاج أهل العراق، وأخبره عن سوء نيّاتهم، وخبث سريرتهم، وقلّة طاعتهم، وكثرة خلافهم، فقال له جامع: أما إنّهم لو أحبّوك لأطاعوك، على أنّهم ما [شنئوك] لنسبك ولا لبلدك، ولا في بطنك وظهرك [1] ، فدع ما يبعدهم منك إلى ما يقرّبهم إليك، والتمس العافية ممّن دونك تعطها ممّن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك.
قال الحجاج: إني والله ما أرى أن أردّ بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف.
قال: أيّها الأمير، إنّ السيف إذا لقي السيف [ذهب الخيار. قال الحجاج:
الخيار] يومئذ لله. قال: أجل، ولكنك لا [تدري] لمن يجعله الله. فغضب الحجاج وقال: يا هناه! إنك من محارب. فقال جامع: [من الطويل]
وللحرب سمّينا وكنّا محاربا ... إذا ما القنا أمسى من الطّعن أحمرا
قال الحجاج: والله لقد هممت أن أخلع لسانك وأضرب به وجهك. قال جامع: إن صدقناك أغضبناك، وإن غششناك أغضبنا الله، وغضب الأمير أهون علينا من غضب الله. قال: أجل. وسكن الحجاج وشغل ببعض الأمر، فانسلّ جامع وخرج من بين الصفوف من خيل الشام حتى صار إلى
__________
[1] في المصادر: ولا لذات نفسك.

الصفحة 186