كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)
خيل أهل العراق، [وكان الحجاج لا يخلط] أهل الشام بأهل العراق.
فأبصر كبكبة فيها جماعة من بكر العراق وقيس العراق وتميم العراق [وأزد العراق] ، فلما رأوه اشرأبّوا إليه، وبلغهم خروجه فقالوا له: ما عندك، دافع الله لنا عنك؟ قال: ويحكم! عمّوه بالخلع كما يعمّكم بالعداوة، ودعوا التعادي بينكم ما عاداكم، فإنّه أقوى أعدائكم، وأحدّهم نابا ومخلبا، وأجرؤهم، إن ظفر بكم لا يدع منكم لسانا ينطق، ولا عينا تطرف؛ وإن أظفركم الله به، تراجعتم العداوة والتحارب بينكم أو تعافيتم. أيّها التميميّ، هو والله أعدى لك من الأزديّ، وأيّها القيسيّ هو أعدى لك من التغلبيّ، وهل ظفر بمن ناوأه منكم إلا بمن بقي معه من رؤسائكم. ثم هرب جامع من فوره ذلك إلى الشام، فاستجار بزفر بن الحارث فأجاره.
«390» - قال عليّ الحميريّ: لمّا أشخص المنصور أبا حنيفة إلى بغداد شخصت معه، فقدم بغداد، فحضر الدار، وأعلم به المنصور، فدخل إليه ثم خرج إليّ وهو ممتقع اللون، فسألته عن حاله فقال لي: المنزل، المنزل! فمضيت معه فقال: إنّ هذا دعاني إلى القّضاء، فأعلمته أني لا أصلح، وافترصها منّي وظنّ أني قد كذبته، فقال لي: قد جلست تفتي الناس، وتزعم أنك لا تصلح للقضاء، قال: فقلت له: إني لم أقل إني لا أصلح لأني لا أعلم أن البيّنة [على المدعي واليمين على من أنكر] ولكنه لا يصلح للقضاء إلا رجل له نفس يحكم بها عليك وعلى ولدك وعلى قوّادك، وليست تلك النفس لي، والله يعلم أنك لتدعوني، فما ترجع نفسي إليّ حتى أفارقك؛ فلما سمع ذلك منّي أطرق ثم رفع رأسه إليّ، وقال: فلم لا تقبل صلتي؟ فقلت: أفوصلني أمير المؤمنين من ماله بشيء فرددته ولم أقبله؟ وإنّما وصلتني من بيت مال المسلمين ولا حقّ لي فيه؛ لأني لست مقاتلا من ورائهم فآخذ مع المقاتلة، ولست من ولدانهم فآخذ ما يأخذون،
الصفحة 187
476