كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)
ولست من فقرائهم فآخذ ما يأخذ الفقراء، أنا من الله بخير، وبنعمته في كفاية، فقال لي: أقم بمكانك تكاتبك القضاة فيما [لعلهم أن يحتاجوا إليك. قلت:] سمعا وطاعة.
«391» - قال عبد الله بن المبارك: لمّا أفضت الخلافة إلى هارون، وقعت في نفسه جارية من جواري المهديّ، فأرادها على نفسها، فقالت: لا أصلح لك؛ إنّ أباك قد أطاف بي، فأغري بها. قال: فبعث إلى أبي يوسف فقال: جارية من جواري المهديّ أردتها فتحصّنت منّي وذكرت أنّ أبي قد وقع بها، فعندك في هذا شيء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، لا تصدّقها، ليست بمأمونة على نفسها.
قال عبد الله بن المبارك: فلم أدر من أيّهم أعجب، من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرّج من [وطء جارية] لأبيه رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين، أم من هذا فقيه الأرض وقاضيها، قال: تهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيّره في رقبتي.
«392» -[جرى] بين عبد الله بن الزبير وبين عتبة بن أبي سفيان لحاء بين يدي معاوية، فجعل ابن الزبير يعدل بكلامه عن عتبة ويعرّض بمعاوية، حتى أطال وأكثر من ذلك، فالتفت معاوية وقال متمثّلا: [من الطويل]
ورام بعوران الكلام كأنّها ... نوافر صبح نقّرتها المراتع
وقد يدحض المرء الموارب بالخنا ... وقد تدرك المرء الكريم المصانع
ثم قال لابن الزبير: [من يقول هذا؟] فقال: ذو الاصبع، قال: أترويه؟ قال:
لا، قال: من ههنا يروي هذه الأبيات؟ فقال رجل من قيس: أنا أرويه يا أمير المؤمنين، فقال: أنشدني، فأنشده حتى أتى على قوله:
الصفحة 188
476