كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

ركابي [ركاب تلك] الدابة، وبرقت بارقة فأبصرت وجه الراكب، فإذا عريب، فقلت: عريب؟ فقالت: نعم، حمدون؟ [قلت: نعم] . ثم قلت لها: من أين أقبلت في هذا الوقت؟ قالت: من عند محمد بن حامد، قلت:
وما صنعت عنده؟ قالت: يا تكش! عريب تجيء في هذا الوقت من عند محمد بن حامد خارجة من مضرب الخليفة وراجعة إليه تقول لها: أي شيء عملت معه؟! صلّيت معه التراويح، أو قرأت عليه أجزاء من القرآن، أو دارسته شيئا من الفقه! يا أحمق! تحادثنا، وتعاتبنا، واصطلحنا، وشربنا، ولعبنا، وغنّينا، وتنايكنا، وانصرفنا. فأخجلتني، وغاظتني، وافترقنا، ومضيت فأدّيت الرسالة. ثم عدت إلى المأمون، وأخذنا في الحديث وتناشد الأشعار، فهممت أن أحدّثه بحديثها ثم هبته، فقلت: أقدّم قبل ذلك بشيء من الشعر، فأنشدته: [من الطويل]
ألا حيّ أطلالا لقاطعة الحبل ... ألوف تساوي صالح القوم بالرّذل [1]
فلو أنّ من أمسى بجانب [تلعة ... إلى جبلي طيّ فساقطة] الحبل
جلوس إلى أن يقصر الظلّ عندها ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل
فقال المأمون: اخفض صوتك لا تسمع عريب فتغضب وتظنّ أنّا في حديثها، فأمسكت عمّا أردت أن أخبره به، وخار الله لي في ذلك.
«420» - أنشد أحمد بن يحيى: [من الطويل]
أحبّ بلاد الله ما بين منعج ... إليّ وسلمى أن يصوب ربابها
بلاد بها حلّ الشباب تميمتي ... وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
__________
[1] الأغاني: لواسعة الحبل.

الصفحة 204