كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

تشهد؟ قال: على مثل شهادة صاحبيّ.
فقال عليّ عليه السلام: اذهب عنك، مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك. قال:
حتى بكى إلى المهاجرين فبكوا، وبكى إلى أمّهات المؤمنين حتى بكين معه، وحتى لا يجالس هؤلاء الثلاثة أحد من أهل المدينة. ثم كتب إلى زياد، فقدم على عمر، فلما رآه جلس له في المسجد، فاجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار.
قال المغيرة: ومعي كلمة قد رفعتها لأحكم [1] القوم. فلما رآه عمر مقبلا قال: إني أرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين. قال المغيرة فقلت: لا مخبأ لعطر بعد عروس؛ ثم قمت فقلت: يا زياد، اذكر الله واذكر موقف يوم القيامة [فإنّ الله] وكتابه ورسله وأمير المؤمنين قد احتقنوا [2] دمي إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر ما رأيت، أين مسلك ذكري منها؟ قال: فرفعت عيناه واحمرّ وجهه وقال: يا أمير المؤمنين، أما إنّ أحقّ ما حقّ القوم فليس عندي، ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت نفسا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطّنها. فقال له: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا. فقال عمر: الله أكبر، قم إليهم فاضربهم. فقام إلى أبي بكرة وضربه ثمانين، وضرب الباقين. وأعجب عمر قول زياد، ودرأ عن المغيرة الحدّ. فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: فإني أشهد أنّ المغيرة فعل كذا وكذا، فأمر عمر بضربه، فقال له عليّ: إن ضربته رجمت صاحبك، ونهاه عن ذلك. يعني إن ضربه جعل شهادته شهادتين، فوجب لذلك الرجم على المغيرة.
وحدّث عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهديّ قال: لمّا شهد عند عمر الأول تغيّر لذلك لون عمر، ثم جاء آخر فشهد، فانكسر لذلك انكسارا شديدا، ثم جاء رجل شاب يخطر بين يديه، فرفع عمر رأسه إليه وقال: ما
__________
[1] الأغاني: لأكلم.
[2] الأغاني: حقنوا.

الصفحة 212