كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

ويقال إن زيادا قال: ما هذا! إنما دعيت شاهدا، ولم تدع شاتما! قال أبو مريم: قد جهدت أن تعفوني فلما أبيتم شهدت بما رأيت وعاينت.
وقال: يا سعيد اشهد بما رأيت قال: رأيت زيادا يخطب- وقدم من عند أبي موسى في زمن عمر بن الخطاب- فتعجّب الناس من منطقه، فقال أبو سفيان وأنا إلى جنبه: من هذا المتكلم إني لأعرف فيه [منطق] آل حرب.
فقلت: هذا زياد بن عبيد فقال: لولا مخافتي عمّك أن يعبث بي ويعنّفني لأخبرتك أنه لم يضعه في رحم أمّه غيري.
فوثب يونس بن سعيد بن زيد مولى زياد فقال: الله الله يا معاوية في مولاي أن تغلبني عليه، ما كان كما قلت، إنه عبد لعمتي صفية، ولكن أعتقته، فلم تستحلّ أن تأخذ منها مولاها؟ فقال معاوية: لتنتهينّ يا يونس أو لأطيرنّ بك طيرة بعيدا وقوعها. فقال يونس: هي إلى الله ثم نقع.
قال: ثم إن زيادا كان على العراق، فكتب إلى معاوية: إني قد أخذت العراق بيميني وشمالي فارغة؛ وهو يعرض [بالحجاز] يرجو أن يضمها إليه مع العراق، فلم يرجع إليه جواب كتابه حتى مات.
ويقال إن زيادا بدا له أن يخطب إلى سعيد بن العاص ابنته، فكتب إليه [بذلك، فأجابه سعيد] : أما بعد فإن أمير المؤمنين لم ينزلك من نفسه هذه المنزلة، ولم يجعل في يديك ولايته، ولم يؤهّلك لما أنت فيه إلا لما يريد أن يوصل إليك من تنويه الاسم ورفيع الدرجة. [فأجابه زياد] :.... وكأنّا قد أحببنا التوسّل إليك ببعض ما يعود عليك نفعه ويشتبك الحال فيما بيننا وبينك وتتشعّب القرابات منا، فنحظى ونسعد بكم؛ وقد مهرنا كريمتك فلانة مائة ألف درهم: العاجل خمسون ألفا والآجل مثل ذلك، فإذا عزمت على [تزويجنا] فمر من يقبض المال والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فلما ورد الكتاب على سعيد امتنع من الطعام يومه ذلك، وكتم الناس أمره؛

الصفحة 216