كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

فلما كان الغد دعا بالفرزدق، فقال: ألا أعجّبك من بيضة البلد؟ قال: وما ذاك؟ فأراه سعيد الكتاب، فقال الفرزدق: أصلحك الله، أراد تثبيت النسب وتعقيد الحسب. فتبسّم سعيد وكتب إلى زياد: أما بعد، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى
(العلق: 7) والسلام عليك. وكان هذا القول من الفرزدق سبب فراره من زياد فلم يدخل العراق حتى مات.
436- ادّعى رجل على جعفر بن محمد- رضي الله عنهما- دعوة واستحضره إلى القاضي، فلما ذكر دعواه قال جعفر: برئت إليه من ذلك.
فأنكر الرجل ولم تقم لجعفر عليه بيّنة. فقال له القاضي: حقك عليه اليمين.
قال: نعم، أنا أستحلفه. فقال له القاضي: إن شئت. فقال له جعفر: قل والله إنّ لي عندك كذا وكذا وأستحقّه عليك. فقال ذلك، فخرّ ميّتا. فقال القاضي لجعفر: كيف هذا؟ قال: إنّ استحلافك له بيمين فيها ثناء على الله ومدح، وإن الله إذا أثني عيه ومدح لم يعاجل بالعقوبة كرما منه وتفضلا.
«437» - قال عبد الملك بن عمير الليثي: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو جالس في بهو على سرير وقد وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير.
فلما رأيته قلت متعجّبا: لا إله إلا الله! لقد رأيت اليوم عجبا تذكرت به عجائب. قال: وما ذاك؟ قلت: رأيت عبيد الله بن زياد في هذا البهو جالسا على هذا السرير وبين يديه رأس الحسين بن علي عليه السلام، ثم دخلت بعد ذلك على المختار في هذا البهو فوجدته جالسا على هذا السرير وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد، ثم دخلت على مصعب في هذا البهو وهو على هذا السرير وبين يديه رأس المختار، وقد دخلت عليك يا أمير المؤمنين في هذا البهو وأنت على هذا السرير وبين يديك رأس مصعب. فبادر عبد الملك ونزل عن السرير وخرج عن البهو وأمر بهدمه.

الصفحة 217