كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 9)

«438» - قال بعض تجار البحر: حملنا مرّة متاعا إلى الصين من الأبلّة، وكان قد اجتمع ركب فيه عشر سفن، قال: ومن رسمنا إذا توجهنا في مثل هذا الوجه أن نأخذ قوما ضعفاء ونأخذ بضائع قوم. فبينا أنا قد أصلحت ما أريد، إذ وقف شيخ فسلّم، فرددت؛ فقال: لي حاجة قد سألتها غيرك من التجار فلم يقضها، قلت: فما هي؟ قال: اضمن لي قضاءها حتى أقول، فضمنت؛ فأحضر لي رصاصة فيها نحو مائة منّ وقال: تأمر بحمل هذه الرصاصة معك، فإذا صرتم في لجّة هذا البحر فاطرحها في البحر، فقلت: يا هذا ليس هذا ممّا أفعله؛ قال: قد ضمنت لي، وما زال بي حتى قبلت وكتبته في روزنامجي.
فلما صرنا في ذلك الموضع عصفت علينا ريح فيئسنا من أنفسنا وممّا معنا، ونسينا الرصاصة، ثم خرجنا من اللجّة وسرنا حتى بلغنا موضعنا، فبعت ما صحبني، وحضرني رجل فقال لي: معك رصاص؟ فقلت: ليس معي رصاص، فقال لي غلامي: معنا رصاص، قلت: لم أحمل رصاصا معي، قال: بلى، للشيخ.
فذكرت فقلت: خالفناه وبلغنا ههنا، وما عليّ أن أبيعه، فقلت للغلام:
أحضرها. وساومني الرجل بها فبعت بمائة وثلاثين دينارا، وابتعت بها للشيخ طرائف الصين. وخرجنا فوافينا المدينة، وبعت تلك الطرائف بمبلغ سبعمائة، وصرت إلى البصرة إلى الموضع الذي وصفه لي الشيخ، ودققت باب داره وسألت عنه، فقيل توفّي؛ فقلت: هل خلّف أحدا يرثه؟ قالوا: لا نعلم له إلا ابن أخ في بعض نواحي البحر. قال: فتحيّرت فقيل لي: إن داره موقوفة في يد أمين القاضي؛ فرجعت إلى الأبلّة والمال معي. فبينا أنا ذات يوم جالس إذ وقف على رأسي رجل فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم. قال: أكنت خرجت إلى الصين؟
قلت: نعم. قال: وبعت رجلا هناك رصاصا؟ قلت: نعم، قال: أفتعرف الرجل؟ فتأمّلته وقلت: أنت هو، قال: نعم، إني قطعت من تلك الرصاصة

الصفحة 218